مقالات ثقافية
حول الإنسان (1)
لماذا سمّي الإنسان إنساناً وإنساً وناساً
قال تعالى:
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا﴾([1]).
الإنسان هو هذا النوع البشري، وقد سمّوه إنساناً لإنسانيّته، وهي ما اختُصّ به من المحامد؛ نحو الجود ومكارم الأخلاق. فمزيّة الإنسان على غيره من الحيوان ليست من جهةٍ تشريحيّة، وليست في أنه قائم على رجليه باستواء تامّ، ولا في ذكائه؛ لأن لأكثر الحيوانات ذكاء، وليست في العواطف الحبّيّة؛ فقد ثبت أن لبعض الحيوانات عواطف مثلها، ولا في مزيّة التخاطب؛ فإن للطيور والنمل وبعض الحيوانات لغات تتفاهم بها، وقد قال جلّ وعلا عن نبيّه سليمان بن داود’: ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ﴾([2]).
وقال تعالى عن نبيّه المذكور×: ﴿حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا﴾([3]).
وإنما مزيّة الإنسان على ما سواه من الحيوان في أمرين: وهما أخلاقه وتديّنه، وهذا ما بيّنه الله تعالى في السورة الكريمة ﴿وَالْعَصْرِ﴾. وقد جاء عن بعض المعصومين^ أنه قال: «إن الله خلق الملك من عقل بدون شهوة، وخلق الحيوان من شهوة بدون عقل، وخلق الإنسان من عقل وشهوة؛ فمن غلب عقله شهوته فهو أفضل من الملك، ومن غلبت شهوته عقله فهو أسوأ حالاً من الحيوان»([4]).
وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾([5]).
وقال: ﴿أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا﴾([6]).
وكما سمّوه إنساناً فقد سموه إنساً قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾([7]).
وقال تعالى: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ﴾([8])،الی غیر ذلک من الآیات القرآنیّة الکریمة.
قالوا: وإنما سمي إنساً لاُنسه؛ لأنه يأنس بنوعه، ويأنس بغيره، ويأنس به غيره. وسمّوه ناساً؛ لنسيه وتناسيه؛ فإن من طبعه أن ينسى ويتناسى.
ومعنى: «أنه ينسى» أي أنه قد تنمسح بعض المعلومات من حافظته إلّا من عصم الله، كما قال تعالى لنبيّه|: ﴿سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى﴾([9])، فقد ورد في كثير من التفاسير ([10]) أن ﴿لَا﴾ في الآية الشريفة للنفي لا للنهي؛ فإنه لا يصحّ أن يُنهى الإنسان عن النسيان؛ لأنه ظاهرة قهريّة لا يستطيع الإنسان أن يدفعها عن نفسه.
ولذلك فإنها توجِد للإنسان الناسي في الفرائض والأعمال أحكاماً خاصّة، وكثيراً ما تكون أهون من أحكام الجاهل، فضلاً عن أحكام العامد؛ لأنه ليس من الممكن أن يقال للإنسان: لماذا نسيت؛ لأنه ظاهرة قهريّة.
وقد يبلغ من الإنسان أنه ينسى بعض أعماله التي عملها، قال تعالى: ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾([11]).
وروي عن أمير المؤمنين× أنه قال في مناجاته: «ويلي إن قرأت في الصحف سيّئة أنا ناسيها وأنت محصيها، فتقول: خذوه. فياله من مأخوذ لا تنجيه عشيرته ولا تنفعه قبيلته! يرحمه الملا، إذا اُمر فيه بالندا»([12]).
أمّا معنى التناسي فإن الإنسان قد يتناسى النهي الموجّه إليه في الأمر الذي يريد أن يعمله، أو لا يتقيّد بتركه، ومثلاً من ذلك ما جاء في قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ﴾([13])؛ لأن العهد المذكور في الآية الكريمة هو ما عهد الله إليه من عدم الاقتراب من الشجرة، فتناسى ما عهد الله له، وأكل من الشجرة؛ فعوقب بالإخراج من الجنّة، ولو كان ناسياً لما عوقب بذلك؛ لقوله تعالى: ﴿رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾([14]).
ولا تزال هذه الظاهرة موجودة في ذرّيّته؛ فإن الكثير منهم يتناسون ما عهد الله لهم به من طاعته؛ ليعملوا ما يشاؤون من معصيته، بل وينسونه ويتناسونه هو جلّ وعلا، وينسون ويتناسون ما ذكّروا به من آياته ومن المعاد إليه، قال تعالى عمّن نسوه هو جلّ وعلَا: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ﴾([15]).
وقال عنهم أيضاً: ﴿نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾([16]).
وقال تعالى عمّن نسوا أو تناسوا آياته: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى﴾([17]).
وقال تعالى عمّن نسوا أو تناسوا المعاد إليه جلّ وعلا: ﴿وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا﴾([18])، والآيات في هذا المجال كثيرة ومن أشهرها قوله تعالى ﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ﴾([19]).
ومعنى أن الله نسيهم يعني عاملهم معاملة الناسي، وإلّا فإنه تعالى «لا يضلّ ولا ينسى»([20]).
وبالجملة فان الإنسان سمي إنساناً لانسانيته وسمي إنساً لانسه وسمي ناساً لنسيه إذ كل هذه الصفات موجودة فيه ولكنه قد تغلب عليه الإنسانية فيعطى ويسمح ويعفو ويصفح وقد تغلب عليه صفة الأنس فيكون ريحانة المجالس وأنيس الجالس وقد تغلب عليه صفة النسيان والتناسي فيكون كما قال الشاعر
نسي الخير حين أو غل في الشر حسد ناهش بقية ما في وأنانية تبيح له القتل | وداس الضمير في عصيانه قلبه من إبائه وحنانه لتحقيق غاية في كيانه |
يتبع…
________________________________
المرأة عند شعوب العالم
العرب.. الإمتلاء والبياض..
العرب كانوا يحبون الملامح الأصيلة: الأنف الدقيق، والعيون الواسعة الكحيلة، والعنق الصافي الطويل، والجسم الممتلئ مع الشعر الأسود الطويل، والبشرة البيضاء الصافية ويماثلهم الهنود والفرس وإن كانوا يميلون للرشاقة.
الغرب.. الطول الفارع..
الغربيين في الوقت الحالي يفضون الطول ويهتمون به كثيراً، ويهتمون به كأهم مقاييس الجمال، ثم يليه الشعر الأشقر وإن كانوا يفتنون بالشعر الأسود والبشرة السمراء الصافية مع الجسم النحيف الرياضي والأكتاف العريضة والشفتان الغليظتان الممتلئتان.
الفراعنة.. العيون الكحيلة..
الفراعنة القدماء اهتموا بالعيون الكحيلة أكثر من غيرها إذ بحثوا عن أجود أنواع الكحل لأن المرأة كلما ركزت على جمال عينيها أصبحت أكثر سحرا وجاذبية واهتموا كثيرا بالعطور والأبخرة، وهم أول من استخدم اللبان لتعطير الفم.
جنوب السودان.. المخمشة..
في جنوب السودان وبعض الدول الأفريقية: تهتم بعض القبائل جدا بالشقوق التي يقومون بعملها على وجه المرأة منذ ولادتها كحماية لها! وكذا بطنها ويديها ويعتبرون المرأة غير المخمشة ناقصة وقد لا تصلح للزواج.
اليابان.. الأقدام القصيرة..
في اليابان هناك مقاييس مختلفة إذ يفضلون المرأة الناعمة الرقيقة الشكل، البيضاء الصافية البشرة والعنق، الهادئة الصوت والتي تكون قدماها صغيرتان ومشيتها رقيقة ومتقاربة الخطى وكانوا يعتبرون الطول عيبا لا ميزة في المرأة.
الأسكيموا.. أهم شيء رائحتها..
بعض الشعوب مثل الأسكيموا والهنود الحمر: يهتمون برائحتها وبالذات رائحة الفم والشعر والجسم إذ يحرصون على وضع الزيوت العطرية والأوراق بالشعر مع مضغ بعض النباتات التي تطيب رائحة الفم وهم يختبرون رائحة فم المرأة وجسمها قبل خطبتها ومنها الخاطبة التي تقوم بمهمة ((البوليسي)) في شم رائحة المرأة المستهدفة.
أفريقيا.. الرأس الأصلع..
أفريقيا.. الرأس الأصلع..
بعض القبائل الأفريقية: يزيدون في مهر المرأة كلما ازداد سواد بشرتها لأن ذلك ليس دليل على الجمال فقط!! بل دليل على صفاء عرقها كما أنهم لا يفضلون الشعر الطويل أبداً إذ يقومون بحلق الفتيات تماما ((على الصفر)) حتى تبدوا أكثر أنوثة وجاذبية! كما تعجبهم السمنة.ومنها الخاطبة التي تقوم بمهمة ((البوليسي)) في شم رائحة المرأة المستهدفة.
منغوليا والتبت..عنق الزرافة..
قبائل منغوليا والتبت: تفضل العنق الطويل جدا حتى أنهم يضعون حلقات معدنية على عنق الفتاة منذ ودلاتها كل عام حتى يزداد طولها وقد تصل الحلقات لعدد كبير جدأً حتى إن المرأة لتبدو كالزرافة، لكنها الأجمل لديهم.
يعرف الرجال بالحق – الجزء الحادي والعشرون
لعل أسئلة حيرى تتدافع كالأمواج العاتية ترمي بظلالها ولا تستقر على حال، أول المائجين تساؤل يدور حول كون النبي محمد (ص )القدوة الحسنة للمسلمين، فما بال المدعين زوراً سدنة الدين يخالفونه قولاً وفعلاً ؟! يرفعون رايته ويخالفون أوامره! يتلبسون عباءة الرسول(ص) ويتبخترون تبختر الشياطين ! يَدَّعون النبي قدوة وخطاهم الشيطانية تفضحهم ، من خالفهم قتلوهم، ومن اعترض على أفعالهم شنقوه! ومن سولت له نفسه التطاول بلسانه عليهم صلبوه !! والرسول(ص) يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وتلك العصابة تنهى عن المعروف وتأمر بالمنكر، الرسول يحافظ على لحمة المؤمنين بلغة العفو والتسامح وهم يفرقون جموع المؤمنين بلغة الجلد والقهر والطغيان والتباغض ؟!يقول الحق سبحانه :” فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ “.( آل عمران -١٥٩)،. وقال الحق :” وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ”.( المائدة -٨١)، ثم إذا كان سدنة الجبت والطاغوت اختطفوا دين الله تعالى لغايات شيطانية، فما حال الباقي أهم أيضاً أُختطفوا؟! أم هم صم بكم عمي ؟!!وأنذرهم الله تعالى إذ قال :” فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ۚ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ “.( المائة -٥٢)،أم إن لسان حال الرسول(ص) يدعوهم مبارِكاً الصمت والعمى الذي هم عليه ؟! أم لا عزاء لأمة أضاعت قدوتها؟! ورد في الذكر الحكيم قوله تعالى :”سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا ۚ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۚ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا ۚ بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا “. ( الفتح -١١).
ونواصل المسير مع رسول الله الموعود بنصر مبين وفتح قريب ، فقد حَوطَ النبي مقدمه إلى مكة بعنصر المباغتة، فقد صُمَتْ قريش فلا الأخبار تطايرت لتحذيرهم! ولا متعاطف علم بنهايتهم فيدركهم !كما حوط الرسول (ص)حملته بالرعب حيث أمر بإشعال النيران على الجبال في محيط مكة بحيث يتراءى للناظر حجمها وعددها، فيتصور جحافل جيش مهول لا قبل لهم به ولا استعداد مسبق لمواجهته يتقدم للإنقضاض عليهم ، ولعله لم يذهب بعيداً لأنها عين الحقيقة ! وهذا ما دعى أبي حنظلة ( أبي سفيان ) إلى تلقف دعوة العباس لإجارته ومن ثم عرضه على رسول الله ( ص ) الذي أمنه ومن غداة الغد قال له :”ويحك يا أبا سفيان! ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله؟”، فقال: بأبي أنت وأُمّي ما أوصلك وأكرمك وأرحمك وأحلمك! والله لقد ظننت أن لو كان معه إله لأغنى يوم بدر ويوم أُحد.فقال: “ويحك يا أبا سفيان! ألم يأن لك أن تعلم أنّي رسول الله”؟ فقال: بأبي أنت وأُمّي، أمّا هذه فإنّ في النفس منها شيئاً!! قال العباس: ويحك! اشهد بشهادة الحقّ قبل أن يضرب عنقك. فتشهّد.
{.( تفسير مجمع البيان ١٠/٤٧٠):
فقال(صلى الله عليه وآله) للعباس: «انصرف يا عباس فاحبسه عند مضيق الوادي حتّى تمرّ عليه جنود الله».
قال: فحبسته عند خطم الجبل بمضيق الوادي، ومر عليه القبائل قبيلة قبيلة وهو يقول: من هؤلاء؟ وأقول: أسلم، وجهينة، وفلان، حتّى مرّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) في الكتيبة الخضراء من المهاجرين والأنصار في الحديد، لا يُرى منهم إلّا الحدق.
فقال: من هؤلاء يا أبا الفضل؟ قلت: هذا رسول الله(صلى الله عليه وآله) في المهاجرين والأنصار، فقال: يا أبا الفضل! لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيماً! فقلت: ويحك إنّها النبوّة، فقال: نعم إذاً!
وجاء حكيم بن حزام وبديل بن ورقاء رسولَ الله(صلى الله عليه وآله)، وأسلما وبايعاه فلمّا بايعاه، بعثهما رسول الله(صلى الله عليه وآله) بين يديه إلى قريش يدعوانهم إلى الإسلام.
قال العباس: قلت: يا رسول الله، إنّ أبا سفيان رجل يحبّ الفخر فاجعل له شيئاً يكون في قومه، فقال: «من دخل دار أبي سفيان ـ وهي بأعلى مكّة ـ فهو آمن، ومن دخل دار حكيم ـ وهي بأسفل مكّة ـ فهو آمن، ومن أغلق بابه وكف يده، فهو آمن”}.
تطلع أبو سفيان إلى جيش محمد ( ص )مبهوراً بفرسان الوغى الممتدين على مدى بصره فلا يجد لذلك تفسيراً غير الملك!! وذلك له دلالة واضحة على حجم إسلامه الذي لا يتجاوز قيد أنملة كما يدلل على السبب الحقيقي من نطقه الشهادة وهي حقن دمه والبقاء على نفسه !! لا حباً في الله ولا في رسوله وإنما حباً في الحياة الدنيا،ومع ذاك لم نرى رسول الله(ص) معترضاً أو فاضحاً بل على العكس من ذاك ،يُوكلُ إليه قبل دخول مكة مهمة أمن وأمان ورسالة اطمئنان لقريش،أنه من دخل دار أبي سفيان فهو أمن، ومن الملاحظ أن التاريخ أهمل سهواً أو عمداً الإشارة إلى أن أبي سفيان كان بصحبته إثنان من رجال قريش في تلك اللحظات ولقد ثبت أنهما أيضاً دخلا في دين الله قبل دخول رسول الله(ص) مكة ،ولإسلامهما أهمية من حيث أن الشرف لم يكن لأبي سفيان منفرداً في شرف تبليغ قريش فحوى الرسالة تلك !بل الحق أنه قد صدر عن رسول الله (ص) قوله:”من دخل دار أبي سفيان ـ وهي بأعلى مكّة ـ فهو آمن، ومن دخل دار حكيم ( رفيق أبي سفيان في تلك اللحظات ) ـ وهي بأسفل مكّة ـ فهو آمن، ومن أغلق بابه وكف يده، فهو آمن”.ولقول رسول الله(ص) هذا أهمية قصوى إذ هو يعمم الأمان لمكة وقاطنيها من أعلاها إلى أدناها ومن طوقها القريب إلى طوقها البعيد، وأن الرسول(ص) يتعهد لكل من لجأ إلى جدار بيته فله الأمان وعليه لا يقتصر الأمر على دار أبي سفيان البتة! والذي تعمد كتاب التاريخ أتباع السلاطين اختصار الأمان والفخر والتشريف في شخص أبي سفيان !!-ولهذا اقتضى التنويه -،والسؤال هنا لم التركيز على شخص أبي سفيان دون غيره؟ولم التركيز على تشريفه دون الحدث ذاته؟! فالقضية التي لا يحوز لها أن تنسى أن النبي (ص) فتح مكة لا غازياً ولا قاتلاً ولا متجبراً ،وإنما حمل الرحمة والأمن والأمان لكل ملتزم داره ،حمل الأمن والإطمئنان لكل من لا يريد إراقة الدماء، ولا تجديد العداوات والضغائن والأحقاد، فالأمان كل الأمان لمن نظر فأبصر تحول الزمان لصالح الدين الجديد والدولة الفتية، الأمن والأمان لمن تداركته العناية الإلهية فاسترق السمع لأبواق النصر تسبح لله الواحد الأحد، فعلم علم اليقين أن إله أصم أبكم قد فقد صلاحيته وأنه هُزم شر هزيمة، وأنى له النصر وهو حجارة صماء ما نفعت يوماً ولا يكون لها أن تنفع يوماً ،وأن الخطيئة معلقة برقاب من عبدها لا برقبة حجارة جوفاء !وأن دين كهذا لابد أن يولد ميتاً ،وأن رايته الصنمية قد سقطت، وأنها بيد الله ونبيه قد سقطت فلا عزاء لمن عبد سواه!
دخل رسول الله(ص)فاتحاً مكة وأعطى الراية لسعد بن عبادة الذي غلبته أحقاده على قريش، فاعتقد لوهلة أن ينضح اليوم بمكنونات قلبه وما يحمله من أحقاد لقريش دون محاسبة ومعاتبة! فاليوم يوم المنتصرين من المهاجرين والأنصار ،اليوم يوم الفاتحين ،وللفاتحين حسب اعتقاد سعد بن عبادة للحظتها أن الأبواب لجهنم قد فتحت وأن النيران قد أُجْجِتْ، وأن قريشاً ستساق إلى حتوفها وأن نساء قريش ستكون سبايا ومطايا لكل طامع !!وهذا ما ذهب إليه قوله : اليوم يوم الملحمة – — اليوم تُسبى الحرمة.
وعلى أثر ذلك أمر رسول الرحمة والإنسانية (ص) الإمام علي ( ع )بأخذ الراية من سعد بن عبادة وصدح بالقول :” اليوم يوم المرحمة، اليوم تصان الحرمة”.
{في الكافي:٤/٢٢٥ ، عن الإمام الصادق( عليه السلام ) فال: (( لما قدم رسول الله(صلى الله عليه وآله ) مكة يوم افتتحها ، فتح باب الكعبة فأمر بصور في الكعبة فطمست ، فأخذ بعضادتي الباب فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، صدق وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده. ماذا تقولون وماذا تظنون ؟ قالوا: نظن خيراً و نقول خيراً ، أخ كريم وابن أخ كريم ، وقد قدرت ! قال: فإني أقول كما قال أخي يوسف: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، ألا إن الله قد حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض ، فهي حرام بحرام الله إلى يوم القيامة ،….}
{ قال في إعلام الورى:١/٢٢٥ ، ومجمع البيان:١٠/٤٧٢:(( ودخل صناديد قريش الكعبة وهم يظنون أن السيف لا يرفع عنهم ، فأتى رسول الله(صلى الله عليه وآله ) البيت وأخذ بعضادتي الباب ثم قال: لا إله إلا الله أنجز وعده ، ونصر عبده ، وغلب الأحزاب وحده…
ألا إن كل دم ومال ومأثرة كان في الجاهلية فإنه موضوع تحت قدمي ، إلا سدانة الكعبة وسقاية الحاج فإنهما مردودتان إلى أهليهما ، ألا إن مكة محرمة بتحريم الله ، لم تحل لأحد كان قبلي ، ولم تحل لي إلا ساعة من نهار ، فهي محرمة إلى أن تقوم الساعة… ثم قال: ألا لبئس جيران النبي كنتم ، لقد كذبتم وطردتم ، وأخرجتم وفللتم ، ثم ما رضيتم حتى جئتموني في بلادي تقاتلونني ، فاذهبوا فأنتم الطلقاء .
فخرج القوم كأنما أنشروا من القبور ، ودخلوا في الإسلام ، وكان الله سبحانه أمكنه من رقابهم عنوة فكانوا له فيئاً ، فلذلك سمي أهل مكة الطلقاء !
قال: ودخل رسول الله(صلى الله عليه وآله ) مكة بغير إحرام وعليهم السلاح ، ودخل البيت لم يدخله في حج ولا عمرة ، ودخل وقت الظهر فأمر بلال فصعد على الكعبة وأذَّن فقال عكرمة: والله إن كنت لأكره أن أسمع صوت ابن رباح ينهق على الكعبة ! وقال خالد بن أسيد: الحمد لله الذي أكرم أبا عتَّاب من هذا اليوم من أن يرى ابن رباح قائماً على الكعبة ! وقال سهيل: هي كعبة الله وهو يرى ولو شاء لغير ! قال: وكان أقصدهم ! وقال أبو سفيان: أما أنا فلا أقول شيئاً والله لو نطقت لظننت أن هذه الجدر تخبر به محمداً !
وبعث(صلى الله عليه وآله ) إليهم فأخبرهم بما قالوا ، فقال عتَّاب: قد والله قلنا يا رسول الله ذلك فنستغفر الله ونتوب إليه ، فأسلم وحسن إسلامه وولاه رسول الله مكة .}
سقطت مكة عزيزة لا تضام، فالفاتح النبي محمد (ص) الذي دخلها لا شامتاً ولا مستخفاً بأحد ممن حضر الفتح من كفار قريش وأتباعها،الذي تسارع تاريخه القبلي والشخصي وتاريخ مكة تواكبانه بدموع حَرَّى وذل مطبق،فكلما نظر لفاتحي الأرض المباركة أم القرى والآه والعبرة تكادان تحرقانه وتخنقانه ومن ثم تطرحانه أرضاً !! فبكة لم تعرف الغزاة إلا النزر اليسير بل إن دعاء أبي الأنبياء إبراهيم المستجاب مظلة واقية حامية من الغزاة والمتوعدين بها الشر، “وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا “.( ابراهيم-٣٥)، وأن طيوراً أبابيل دكت جيش أبرهة الذي عصى الله وعزم بعزم الجبابرة الطغاة هدم أركان البيت إلا أن الله كان له بالمرصاد ، إذ قال الحق تبارك وتعالى :” أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ،أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ،وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ،تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ، فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ”.( الفيل كاملة )، غير أن الرسول محمد (ص)ليس كمثله فاتح ! فمحمد(ص) نبي الرحمة والإنسانية ومبعوث السماء لم يكن متوعداً بالويل والثبور وعظائم الأمور لمن خالف وولى،ولمن وقع في قبضته، فها هو اليوم يرجع من بعد هجرته القصرية والتي اضطر لها من بعد تهديد أكيد لأمنه ولحياته من قبل سادات الكفر والوثنية ومؤامرتهم على الخلاص منه بيد أربعين فارساً يضربون عنق النبي (ص) ضربة رجل واحد، مما اقتضى خروجه منها مخلوع الفؤاد فمكة المقدسة داره وموطنه وموطن بعثته ،وفيها جوهر القلب والفؤاد بيت الله الحرام وفيها تاريخ المقاومة الإسلامية الأولى لزنادقة الكفر الذي سُجل بدماء زكية ونفوس أبية راضية بما تجري عليهم المقادير وتحمل لهم من صنوف العذاب والقهر، ولكن لا ذل وسيدهم ومولاهم(ص) معهم يواسيهم ويصبرهم ويعدهم عند الله الزلفى وجنان عرضها السماوات والأرض، ولطالما افترش(ص) معهم الأرض وتلحف السماء، وأكل معهم من أديم الأرض وحشائشها وما جادت به بعض النفوس الطيبة الرؤومة عليهم في شعاب مكة لسنين ثلاث ، قاسوا معه وقاسى معهم مرها بنفوس صابرة محتسبة مؤمنة وموحدة الله تعالى، ومن ثم جاء فرج الله المبين فأكلت الأرضة صحيفة معاهدة قريش بالقطيعة لبني هاشم والمسلمين، وكان نصر من الله وعز للمؤمنين بحشرة صغيرة إنه على كل شيء قدير.
لم يدخلها حاقداً ولا شامتاً ولم يحمل معه سجل ذكريات ما مضى وما فعلته ملاحدة قريش فيه وفي الآخرين، إنما دخلها بعزم المؤمن المتوكل على الله ربه وبرغبة المتخلق بأخلاق إلهية، ومتحزماً بنواميس ربانية تنشر العدالة والإخاء والمساواة بين جموع الناس، دخل محمد(ص) مكة حطة ،دخلها خاشعاً لله ربه ومتواضعاً متذللاً لله وحده لعظيم كرم الله الذي “أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده “، دخلها مصداقاً لرؤياه :”لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ ۖ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ ۖ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا”.( الفتح -٢٧)، دخلها رسولاً نبياً، يحمل رسالة ربه إلى الناس كافة فمن قبلها بقبول حسن كان جزءاً لا يتجزأ من النسيج الإسلامي، وله كافة الحقوق وعليه كافة الواجبات والإلتزامات الإسلامية ،وما فعل وما اعتقد قبل إسلامه مجبوب مغفور له ، فالإسلام يجبه كأن شيئاً لم يكن، ولولا سماحة الإسلام ومبدأ العفو والرحمة والتجاوز عما حدث من خلل قبل الإسلام ومن إشكالات تصل حد الجرائم والقتل أحياناً، وقذف المؤمنين والمؤمنات وخاصة رسول الله ( ص ) وأهل البيت ( ع ) بأقذع الصفات والتسميات، لما كان لقريش وخلفائها من القبائل الأخرى فرصة، ليس فقط في الدخول في الإسلام وإنما في الحياة، فبمقدور الرسول الكريم (ص) هدر دمائهم لو رغب في الإنتقام والشماتة وخاصة أن الله منَّ عليه بهدر دمائهم ووهبها له،غير أن الرسول الكريم لم يحتج بها على فراعنة قريش، بل إنه البلسم لكل الجراح النفسية منها والعقلية ناهيك عن الجسدية أيضاً، قد تخلق بخلق الرحمن فعفا وأصلح لهم حالهم، وجعل العفو والتسامح واللين وغض الطرف عنهم وعما جنت أيديهم سابقاً للفتح ولاحقاً منهم مما يمكن تجاوزه لغايات سامية لا تقل أهمية عن الفتح مفتاحاً إلى أفئدة الكثير منهم، والتفضل بإطلاقهم وحرياتهم أعزاء أحراراً كما كانوا وكما يجب أن يكونوا الوسيلة والبوابة لدخول الكثير ممن شهد الفتح أو سمع به في الدين الحنيف !
هذا ولو أحب الرسول الكريم التلذذ بمشاهد الذل والإنكسار ، أو أحب فقط أن يوصل رسالة لمن لم يرحم الرسول ولا المسلمين يوماً، أن اليوم زمن انتصار الإسلام ، وأن الوثنية قد اندحرت في مكة المقدسة وقصمت ظهور ألهتها الصنمية ، وأن اليد العليا لله ورسوله في بطحاء مكة وجبالها وفيافيها فلا مكان للشرك والمشركين في مكة من الآن وحتى قيام الساعة ، وأن السلطة والسطوة والحضوة بيد رسول الله مفوضاً من الله تعالى يقسمها على من يشاء، ويبعد ويدني من يشاء ،وأن بيده الأمر يرفع من يشاء ويذل من يشاء ،وينتقم ممن يشاء إذا شاء، ولو كان كسدنة الدين السقيم وإلههم المسخ وحاشاه أن يكون لسبى من يشاء وهتك أعراض من يشاء، وقطع أوصال من يشاء !!( محض افتراض خيالي) فذاك قراره لإنه اليوم ” مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ “(التكوير-٢١)!! وما أضحى محمد إلا كما أصبح رؤوف رؤوم رحيم ،يقول . . الحق مادحاً رسوله :” لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ “.( التوبة -١٢٨)،محمد رسول الله( ص)لا تغيره المواقف ولا تثنيه إقبال الدنيا عن أخلاقياته ولا عما نُصب له، فها هو اليوم كمالعادة دمث خلوق عفو ومتجاوز عما بدر منهم، بل ذهب الى أبعد من ذلك إلى حفظ ماء وجوههم وكراماتهم وأعراضهم، بل إنه لم يأذن لأحد من قادته بمقاتلة أو هدر دم أحد إلا من ابتدأهم بقتال ،ثم يقف متسائلاً بحضور فراعنة قريش ما تظنون أني فاعل بكم ؟! فيجيبون متناسين حروبهم ضد رسول الله وتحالفاتهم مع شياطين الجن قبل الإنس لمحاربة الرسول واقتلاعه والمسلمين من صياصيهم ومن الوجود كلية ! يجيبون بلسان ذل أخرسته انتصارات المسلمين، ووقوعهم ومدينتهم صيداً سهلاً نظيفاً خالياً من القتال والدماء بيد المسلمين الذين عَدُّوهم يوماً شرذمة لقريش غاضبون ،موقف ما خطر بوجدانهم يوماً أن الصورة تنقلب ويصار الأمر بيد محمد! ويقفون موقف الذليل الذي يتحين الفرصة لعل قلب محمد يرأف بهم، ولا يساقون كما تساق البهائم ولا يباعون في سوق النخاسة ولا يسترقون ولا يفعل بهم الأفاعيل، فكان جوابهم جواب المستجير بأخبار الماضي الذي سجل للصادق الأمين مشاركته وحضوره مع قريش قبل الإسلام حلف الفضول، والذي بموجبه تحالفت قبائل وبطونها على ألا يجدوا بمكة مظلوماً من أهلها أو من غيرهم من سائر الناس إلا قاموا معه حتى ترد عليه مظلمته، كما ارتكزوا على أخلاق الصادق الأمين صديق الضعفاء والمساكين وجليسهم وأنيسهم ، فتدافعوا بلسان واحد :” أخ كريم وابن أخ كريم”، فقال رسول الله (ص) “اذهبوا فأنتم الطلقاء”. حقاً يا رسول الله سمحت لهم بالحياة مجدداً دون تأليب ولا تأنيب ؟! ها قد سرت الدماء في عروقهم مجدداً، واطمأنت النفوس فلا الأرواح زهقت ولا الأموال نهبت ولا الدور هدمت ولا النساء سبيت .
فإذا كان الحق ما فعله الرسول الكريم فكيف انساقت طغمة ممن رفعوا الإسلام راية والنبي قدوة إلى سَوْقِ نساء المسلمين وحرائر العرب وأهل الذمة من النصارى؟!وهم يزعمون بكل صلافة ووقاحة أنهن سبايا! ولعل الأمر الإلهي ما بلغهم أن المرأة الحرة الكريمة قد حُرم سبيها ،فالإسلام دين الأحرار ولا عبيد فيه !!وما بالهم يحولون أرض الإسلام والمسلمين أرضاً محروقة يقتل فيها الشباب وينكل بالرجال ويسحلون ويصلبون؟!!ألم يقل الله تبارك وتعالى :”أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ “.( المائدة -٣٢)، وربما يصبحون عما قريب خراف الموائد وزينتها! ويُيتم الأطفال وتهتك الأعراض وتجبر المحصنات من الثيبات والأبكار على البغاء، باسم مسميات ما أنزل الله بها من سلطان! مسميات قذرة تقشعر منها الأبدان، ويصعق منها كل متعفف شريف يخاف الله رب العالمين ،مسميات لا ترتبط بالسماء بأي حال!! ففحواها ينضح بنقيع الشياطين ومصادرها من زقوم !!يقول اللطيف الخبير :وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ “.( الأنعام -١٥١)، فهل يعقلها أولئك المدعون زيفاً سدنة الدين أن الطاهر المطهر يأمر بجهاد يطلقون عليه جهاد النكاح ولا أملك إلا أن أقول والعبرة تتحشرج بين أواتار أضلعي إنه جهاد الفسق والفجور والعهر والعهار!! فمن لحرائر المسلمين والعرب من كل الطوائف والملل؟! اللواتي لسوء طالعهن تواجدن في الأرض التي كانت تعد مقدسة بقدسية الأنبياء العظام أبناء هذه الأرض التي كانت يوماً طيبة وما عادت كذلك ! فمن للنساء إنهن “كالمستجيرات من الرمضاء بالنار” ؟!! ولو اليوم اطلع رسول الله ( ص ) لمصابهن ومظلوميتهن وتكالب الزمان عليهن لرق لحالهن، ولنتفض ولنتصر لهن في حرب ضروس على الزنادقة أصحاب الظلام ودين المسخ- لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ”( المدثر-٢٨)ولكُتب في التاريخ أن المرأة المؤمنة بالله ومحمد والإسلام ديناً عزت وما ذلت إلا على أيدي كتاب ووعاظ المؤامرة الغربية المشرقية!! وكانت حتى حين بمحمد وآله عزيزة لا تضام ولن تذل أبداً ( اللهم صل على محمد وآل محمد ).
إنها عصبة ترفع راية التوحيد، وتمزق باسمها الكتب السماوية والأدهى والأنكى والأمر تُمزق المصحف الشريف الذي بين ظهرانينا، يقول الولي الحميد :” إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ “( الحجر-٩)، وتدعي تلك الطغمة المنحرفة أنه محرف فتلغي سور وآيات وتضيف وتصحح كما تشاء!! كما أنها جنحت إلى إلغاء صلوات تعارف المسلمون على أدائها كصلاة العيد باعتبارها بدعة-ويقول الحق :” قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ “.(ابراهيم-٣١)، ولتحملن إلينا الأيام من بدعهم وكذبهم وافتراءاتهم على الله وعلى الرسول ما يشيب منها الوليد – وتجاوزت خفافيش الظلام كل الحدود والخطوط الحمراء فها هي اليوم تنصب نفسها قيم وحيد على الدين الإسلامي ! يستمد سلطانه ونفوذه من تلك الراية الشمطاء فيحيي ويميت، ويفتي بكل بهتان وزور، فيلعن المقامات ويدنسها، ويحاكمها وَمَنْ في المقام وإن كان نبياً أو إماماً!! غير عابئين بهم ولا بإصلاحاتهم ولا بجميل ما قدموه للإنسانية من تقويم وتصويب وإرشاد إلى الصراط المستقيم ، ولا بإنجازاتهم ولا بمقامهم ولا بمنزلتهم عند الله ، فما عادوا إلا هباء منثوراً !!إنهم المعنيون بالخطاب أنبياء سابقون واليوم هم لا يضرون ولا ينفعون!! الموت أفقدهم أهميتهم!! ولهم بعد الحكم عليهم بالفناء والدمار الإستشكال عند الله تعالى يوم الدين ، وإلى حين البت باعتراضهم لابد من أن تحرق وتنسف مراقدهم وتنسف أجساد طاهرة مقدسة كريمة عند ربهم فقط! يقول الحق :”إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ”. ( المائدة -٣٣)، بالإضافة إلى تفجير دور العبادة من كنائس ومساجد وحسينيات!! فما الضير من ذلك ؟! مع العلم إن الفائدة أشمل وأعم فلا حاجة تذكر لمساجد شركية صنمية يعبد فيها غير الله تعالى ؟!ثم إن أرض الله واسعة فما الداعي للمساجد وكل الأرض جُعلت مسجداً وطهوراً ؟! ألم يقل الله تعالى :” فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ “.( البقرة-١١٥) ، وقول رسول الله (ص) : ” جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ” . فمن أين لهؤلاء الحجة على صوابية فعلهم ؟ولعل المبكي المضحك أن الطفل الصغير ذا النفس السوية يعلم علم اليقين بظلامية فعلهم وأنها ليست من الله في شيء !!ألم يقل الحكم العدل :” لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّىٰ جَاءَ الْحَقُّ”،( التوبة-٤٨)
في الأرض المقدسة أرض الأديان السماوية كلها، وأرض الأنبياء كلهم اغتيل الدين الإسلامي براية كذب وزور وافتراء ، باسم دين رب السموات والأرض دعوا إلى دين جديد، ورب جديد رب مسخ وشهوة وحيوانية كاسرة فاجرة ،فهل أؤلئك المفسدون في الأرض هم رجال الحق ؟! هزلت ورب الكعبة، فإذا جيء بأنبياء الله العظام وجيء بالمفسدين في الأرض، فهل حقاً أبناء الشجرة الملعونة وأحفادهم طلاب الظلام وخدام الشياطين هم رجال الحق ؟!وهل عُرفوا بالحق ؟! أم إن الحق منهم براء؟! والحق شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء لا يكون لهم منها خلاق ولا يجوز لهم منها الإقتراب وكل إناء بما فيه ينضح !!!يقول الحق :” وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ،أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ”.( البقرة -١١-١٢) ، ويقول الحق :” لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ”.( الأنفال -٨)، كما قال العلي الأعلى :” وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا “.( الإسراء -٨١).
يعرف الرجال بالحق – الجزء العشرون
قامت الدنيا ولم تقعد على أيد منافقة مضلة تتحين الفرص لتثير الفتن والزوابع في نفوس ضعيفة،قامت رايتهم الأفاقة تحت مظلة أن الرسول ( ص ) وعدهم وأخلف وعده بالعمرة!! وهاهم بُعيدَ صلح الحديبية يعودون أدراج الرياح بخفي حنين فلا هم اعتمروا ولا صحت رؤيا نبي الإسلام (ص)!فكيف لرؤياه ألا تكون صادقة ؟! معضلة تجاذبتها ضعاف النفوس فما رسوا على بر أمان ولو أنهم ردوها إلى الله ورسوله لسلموا ولطابت أنفسهم ،وخصوصاً أن الله تعالى أنزل في تلك اللحظات المبهمة عليهم بلسماً يداوي جراح ضعفهم وشكوكهم إذا ما رُغِبَ في لئم الجراح، وجبر الصدع، والتسليم والخضوع لإرادة الرحمن وحكمته والصبر على ما لا يُدْرَك آنياً ويقيناً سيُدْرَك لاحقاً،ألم يقل الله تعالى ؛” إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا، لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا، وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا، هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا، لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا، وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا”.( الفتح -من ١-إلى -٦)،.
في مثل موقف الرسول (ص)مبعوث السماء ورجل الحق ومنه يستنبط الحق وأفعال الحق ومواقف الحق لابد لنا من استخلاصات بسيطة لنتعرف على رجال الحق ،ولعلنا نعري بها أشباه الرجال والذين يدعون أنهم رجال الحق زوراً وبهتاناً! باستخلاص العبر من مواقف نبي الرحمة الكريم (ص) وأخلاقه الدمثة الصامدة والغير قابلة للتغيير أو التبدل إلا لتتفوق أخلاقياته على ذاتها بالأفضل والأنجع، ألم يقل الرسول الكريم ( ص ):” بعثت لأتمم مكارم الأخلاق “. فحسبه الحكمة سفينته، والصبر والتأني وحبس الآهات من لسعات جمرات ذوي القربى- “إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ”( الحجرات -١٠)- ركائز ودعائم سفينته، وساريته وضاءة ورايته الحق والصدق خفاقة لا تنكسر ولا تنحي فما فتئت بيد الله خفاقة، ومساره (ص) الصراط المستقيم منفرداً أو بصحبة ماجدة من المؤمنين الخلص الذين أدانوا لله ورسوله بالسمع والطاعة على كل حال ، ولسان حاله يتنغم في قوله تعالى :”
اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ “.( الفاتحة – من ٥-إلى -٧)، ويصدح فيقول :”فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَىٰ “.(طه-١٣٥ ) .
فلا يحسبن أحدكم أن النبي قيده ربه بالرحمة، بل الرحمة خلجات خالطت دمه ولحمه فتتابعت لتحتضن الإنسان كل الإنسان ،فتحي في طريقها وصالاً قد قطعت بفعل عداوة الآخرين لدينه السامي أو لزلات المتخبطين ، وعجينته النورانية (ص) تسخر الفرص لتنتشل العابر الذي تسلط عليه نور الرحمة فشده لمعرفته أو تبينه،يقول تعالى :” فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا ، يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ ۖ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا ، وَأَنَّهُ تَعَالَىٰ جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا ، وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا ، وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (الجن – من ١- إلى-٥)، كما تعانق كل شاغف للسلام وحسن الجوار والعيش المشترك على أسس الكرامة والمساواة في الحقوق والواجبات مع مراعاة الأُطر السماوية -ولا علاقة للأمر بإيمان من أمن أو كفر وإلحاد من ثبت على جحده وعلى دين الأباء والأجداد الإلحادي متمسك -، وسهام تلك الرحمة ما برحت تصيب عقول وأفئدة لباب العقول وتستثني عامدة ضحايا سهام الشرك الضآل المضلل والمضل فنُبذوا في بيداء الكفر والإلحاد يقلبون كفوفاً خاوية إلا من مصير مظلم ومستقبل خاو إلا من جحود وندم ، يقول تعالى :”آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ “.( البقرة -٢٨٥)، وقال أيضاً :” وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ”.(النساء-٤٦َ )، أولئك الفئة المؤمنة المصاحبة لرسول الله (ص) والتي سمعت وأطاعت سَمَع وعيٍّ وطاعةُ عقلاء نجباء، سمعت وأطاعت بأفئدتها المؤمنة فما بالت بغموض يتبعه نصر مؤكد ، وبدون ذاك النصر لا تتزعزع مضارب إيمانهم ولا إقرارهم بعلل خفية حكيمة لأحداث مبهمة عليهم واضحة المعالم بحِكَمِها ومبرراتها لله ورسوله (ص)وهذا للمؤمنين حق الإيمان كافياً ومطمئناً وباعثاً على الإستفاضة من النور الإلهي والإستظلال بظلال الحكم الالهية “وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا “.(النساء-٧٩).
نصر مؤكد لاحت تباشيره من إسقاطات قريش التي وعدت وعاهدت فما وفت !! فها هي اليوم وبعد مرور سنتين فقط على صلح الحديبية المبرم بين سيد خلق الله محمد (ص) وكفار قريش -والذي على اثره تم الإتفاق على بنود قليلة من حيث العدد كبيرة من حيث المضامين ، والتي بموجبها يلتزم الطرفان بهدنة عشرية الأعوام فلا حروب ولا غزوات ولا إعتداءات مطلقاً البتة، وبموجب الصلح أيضاً يحق للغير أفراداً وقبائل الدخول في حلف النبي وطلب إجارته لمن يشاء، ودون الخوف أو الحرج من ردة فعل قريش أو إنتقامها،وكذلك الحال بالنسبة لقريش والمتحالفين معها أو المستجيرين بها، فالكل في أمان تحت ضوابط بنود الصلح، كما أن للمسلمين الحق كل الحق بالتعبد وممارسة شعائر عقيدتهم بكل أريحية وانسيابية دون حرج ولا خوف ولا أذى من قريش أو من أتباعها أو المستجيرين بها – .
شمرت قريش عن سواعدها بصحبة جارتها قبيلة كنانة والتي تسبب فرد منها بإشعال فتيل النزاع بينه وبين رجل كريم من خزاعة حليفة رسول الله (ص) بهجائه الرسول (ص) وإصراره على مواصلة ذلك! رغم تصلب ذاك الكريم من خزاعة على نهيه إياه عن فعل قد يزعزع أركان الهدنة فما انتهى! وعلى اثرها دب نزاع بينهما تطور بين القبيلتين خزاعة وكنانة والتي لسوء حظ قريش كانت هي الأقوى ! فوصل الصراع بطن مكة فتسابقت شياطين قريش تساعدهم على رجال خزاعة حتى أصابوا فيهم مقتلة ، فتداعت خزاعة إلى رسول الله ( ص ) شاكية وجدها وطالبة نصرته بقول عمرو بن سالم أبيات من الشعر :
يـا رب إني نـاشدٌ محمداً. — حِلْفَ أبـيـنا وأبـيه الأتلدا
قد كنـتمُ ولـداً وكنـا والـدا. — ثَمَّتَ أسلمـنـا فلم ننـزعْ يدا
إن قريشاً أخلفوك الموعدا. — ونقضوا ميثاقَـك المؤكدا
وزعموا أن لست أدعو أحدا.– .وهم أذلُّ وأقلُّ عددا
هم بيَّتونا بالوتير هُجَّدا. — وقتلونـا رُكَّعـاً وسُجَّدا
وجعلوا لي في كداء رصدا.– فانصر رسول الله نصراً أيدا
وادعُ عبـاد الله يأتـوا مــددا. — فيهم رسول الله قد تجردا
إن سِيمَ خسفاً وجهُهُ تربَّدا. — في فيلق كالبحر يجري مُزبدا
وقتلونا ركّعاً وسجّدا”.
فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): “حسبك يا عمرو”.، ثمّ قام فدخل دار ميمونة وقال: “اسكبوا لي ماء”.فجعل يغتسل ويقول: “لا نُصرت إن لم أنصر بني كعب”. ثمّ أجمع رسول الله(صلى الله عليه وآله) على المسير إلى مكّة، وقال: “اللّهمّ خذ العيون عن قريش حتّى نأتيها في بلادها”.
وقبل إتمام المسير مع رسول الله ( ص )إلى مكة فاتحاً ماجداً، لابد من زفرات وعبرات تجد السبيل إلى صدور حرائر المسلمين والعرب، وآهات من حرها تكاد تحرق دموعاً بلغت أخاديدهن نعياً لشرف الأمة المهدور غصباً وطوعاً ! فما حركت ساكناً ولا وردت بخواطر رجال حملوا الإسلام قلادة لأجيال وسنين وتباهوا بحفظ ورواية الأحاديث ،وكانوا ترعاً في مجالس التطبيل والتزمير للدين لقلقة لا أكثر! فأما القلادة فقد كسرت على أعتاب المفسدين في الأرض وأما لقلقتهم فقد بان شؤمها في نحيب لا يسمع ودم سال بحوراً بين مترع ظمأن ثمل بدماء أشقائه ،ونشوان بأخدان وأعراض حرائره لا يمل ولا يصحو ،وبين متفرج ضرجت يداه بدم الحرائر والرضع والفتية والشباب بِصَمتِهِ وجبنه وبنأي النفس والنجاة بها، وبما أمكنه الهروب به من متاع الحياة الدنيا !!هذا ولقد قال أَبُو عَبْدِاللهِ عليه السلام:”كُلُّ رياء شِركٌ، إِنَّهُ مَنْ عَمِلَ لِلنَّاسِ كَانَ ثَوَابُهُ عَلَى النَّاسِ وَمَنْ عَمِلَ للهِ كَانَ ثَوَابُهُ عَلَى اللهِ” .( أصول الكافي ـ المجلد الثاني ـ كتاب الإيمان والكفر ـ باب الرياء ـ ح ٣)،وعن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: “مَا ذِئْـبَانِ ضَارِيَان فِي غَنَمٍ لَيْسَ لَهَا رَاعٍ هذا في أَوَّلِهَا وَهذا في آخِرِهَا بِأَسْرَعَ فِيهَا مِنْ حُبِّ الـمَالِ وَالشَّرَفِ فِي دينِ المُؤْمِنِ”-٤)نهج البلاغة ـ الخطبة ٥ـ ( الشيخ صبحي الصالح )]، ولقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي (ص) قال:- ” أبغض الناس على الله ثلاث، ملحدٌ في الحرم، مبتغ في الاسلام سنة جاهلية، ومطلب دم امرئ بغير حق ليهريق دمه “،وجاء عن الإمام الصادق عن آبائه عن رسول الله (ص): “أوحى الله عزوجل إلى موسى ” عليه السلام ” قل للملا من بنى إسرائيل إياكم وقتل النفس الحرام بغير الحق فمن قتل منكم نفساً في الدنيا قتله الله في النار مائة قتلة مثل قتلته صاحبه”.قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :” إِنَّ أَعْتَى النَّاسِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ قَتَلَ فِي حَرَمِ اللَّهِ أَوْ قَتَلَ غَيْرَ قَاتِلِهِ أَوْ قَتَلَ بِذُحُولِ الْجَاهِلِيَّةِ “. ( مسند احمد -ج١٤/ص -٦/ -ح٦٤٦٨).
ولكن النفس لا زالت تداعب أوهام الأمل متساءلة هل من مجيب فيُستصرخ؟! أم من دم حر مسلم وربما عربي أبي فيستنهض؟! أم من رافض للذل فينأى بنفسه عن مزالق الشياطين ؟! وربما للحرائر والمظلومين شيباً وشباباً ناصراً يقيم الراية ويعيد مجد الإنسانية إلى سابق عهدها؟! وهل وصل السيل الزبى ؟! أم لتحرك الأحرار أعداداً محددة من أعراض المحصنات وكريمات العرب لابد أن تهتك أولاً قبل أن يستشعر ذاك المتفرج المسلم الخطر؟! دون الرقي به إلى حياء من الله ومن رسوله ومن كريمات أمته فيحرك بعضاً من عضلاته المفتولة الساكنة دهوراً دفاعاً عن بعض من كرامته !! أم أن سلب الحياة من الآلاف من خيرة الفتية وشباب الأمة لا يكفي لإعلان ثورة الغضب لقتل أجيال وأجيال من مستقبل هذه الأمة !! أو أن سلب مقدرات وثروات الأمة وجرفها إلى حافة هاوية مستقبل مظلم يكتنفه الخزي والعار والخوف والغموض ونقص في الثروات والأنفس معطوفاً على سدنة الجبت والطاغوت وأذنابهم ممن لا قلب ولا عقل ولا فؤاد لهم لا يشكل مبرراً للنهوض والإعتراض؟!!
ولنترك الأمة تموج في بحار الحيرة والضلالة ولا استقرار لها بعد !! ولنتمعن معاً في ردة فعل الرسول الكريم ( ص) حيال زلة قدم مؤمن حضر بدر وأبلى فيها بلاء حسناً ومع ذاك جرفته عاطفته حيال رحمه في مكة المكرمة إلى موضع لا يليق به!! فقد قال الحق :” يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ ۙ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي ۚ تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ ۚ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ “. ( الممتحنة -١)، فعندما تناهى إلى سمعه أن النبي حزم أمره وعقد العزم على نصرة خزاعة وتلقين قريشاً درساً أخلاقياً لن يُنسى عن مواقف الرجال الرجال، وعن احترام المؤمن كلمته والتزامه بها فلا تنحرف بوصلته عن عهد قطعه على نفسه، بل إن الأثمان تدفع زهيدة ولا يُؤْبَهُ بها أمام الحفاظ على العهود والمواثيق،ولقد ورد في الذكر الحكيم :” وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ۖ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا “.( الإسراء -٣٤)،وأن الدوائر تدور على الباغي الذي لا يُؤمن غدره ولا يَحترم كلمته ولا يتمسك بعهده !! وأن “المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين “،ولا يحتاج رسول الله(ص) إلى بحور من دماء المسلمين تقدم أضاحي قبل أن يحرك ساكناً، وأن لا ينتصر لأتباعه وحلفائه إلا من بعد أن يبدع الغادر ويتفنن في مكائده ، وهو يصول ويجول ويبتسم كاشفاً عن خبائثه وتحدياته الساقطة، لعل الخوف يتلبس أعماق النبي (ص)وأتباعه فيركنون إلى ظهير الجبن والخوف !أو لعل حب الحياة ومتاعها تغويهم فيقعون في حبائلها، ويمارسون حب البقاء في كهوف مظلمة شَؤْمَت مراقيها !!ولقد قال العلي الأعلى :” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا “.(يونس-٢٣)، ولقد قال تعالى :” زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا ۘ”.( البقرة -٢١٢)،.
فهل تقاعس الرسول عن نصرة القوم حتى يتبين له إصرار القوم على إعادة الكرة مراراً وتكراراً ؟! أم إن المروءة تأبى الضيم والتخاذل ولبس لبوس النعاج وغض الطرف، ولابد من إحقاق الحق ونصرة الحليف المظلوم، وإثبات قوة الموقف ووحدة الكلمة والصف، وأن المسلم لأخيه المسلم وأخيه الإنسان هو عينه وساعده ويمناه وسيفه المسلول على عدوهما المشترك أو عدو أحدهما شريطة أن يكون العدو باغياً متعدياً فلا يجوز محاربة العدو الجانح للسلام والذي لا يواجهه بالإثم والعدوان ،كما أن الإسلام يقف للمستغلين دماثة خلق النبي ( ص ) وأتباعه وجنوحهم إلى السلام بالمرصاد فلا سبب يؤهلهم إلى الإستسلام وابتلاع الخيف والجور وهم أعزة صناديد ،ألم يقل الله تعالى :” وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ “.( البقرة -١٩٠ )، ومن منطلقات الحق والحكمة وتبعات العهود والمواثيق ومتعاقبات الإيجارة، قرر رسول الله (ص) أن ينهض ومن معه من المؤمنين لنصرة بني خزاعة وحتى لا يُروج يوماً أن رسول الله(ص) ظهير ضعيف ومتخاذل عن نصرة حلفائه !! كما أن رسول الله(ص) تمنى على الله سائلاً إياه أن يعمي أخباره عن قريش فيباغتهم من حيث لا يحتسبون .
وكما أسلفنا أن حاطب بن أبي بلتعة استبد به ضعفه وخوفه من هزيمة محتملة يضيع فيها الغالي والحبيب ويؤسر فيها العزيز وربما تمتهن فيها أعراض وكرامات الأحبة! فأضله حبه لرحمه إلى تحذير قريش لعله بذلك يسعف أهله من شر مستطير برسالة بيد سارة مولاة أبي لهب، والتي تسابقت مع الريح تنذرهم ،إلا أن إرادة السماء ذهبت إلى غير ما ذهبا إليه ،فنزل حبيب المصطفى جبريل(ع) سريعاً يخبره الأمر ويكشف له الحدث ليتداركه ويمنع وقوعه بيد كرار غير فرار (ع)، وأحبطت الجريمة قبل فوات الأوان، وفضح حاطب بن بلتعة وأقسم اليمين عظيماً أنه ما فعل ذاك لا شاكاً ولا كافراً ولا منافقاً ولكن الرحم وما أدراك ما الرحم !! وإن عجبت من فعله فأعجب وأطرق وتفكر ملياً في عفو رسول الرحمة (ص) الذي سبر أعماق الرجل ودموعه وتوسلاته فعلم أن لحظة ضعف جرفته إلى الوقوف ذليلاً بين يدي النبي (ص) ، ومن ثم استصرخ شيم النبي ورحمته وتوسل مقسماً على رسول الله (ص) بربه أنه وحق من سُجد له نادماً تائباً طالباً العفو من العفو الغفور جلت قدرته ، ومن كريم تأدب بآداب الطاهر المطهر ف “العفو عند المقدرة” وهكذا كان، فقد رق رسول الله(ص) لتوسلاته وعفا عنه على ألا يعود لمثلها أبداً، ورغم أن صوت أحدهم تعالى طالباً ضرب عنقه إلا أنه لم يكن وارداً في ذهن رسول الله (ص) فعلٌ كهذا البتة، ولم يحدث رسول الله(ص) نفسه بتضخيم الأمر غاضاً الطرف عن الأسباب التي دفعت ذاك المؤمن إلى تصرف متسرع غير مدروس، ومتجاهلاً تاريخه البدري المشرف !!فالحكمة ضآلة المؤمن ومن أحكم من الله ورسوله (ص) لنظرة حكيمة متعمقة فيقدر للمرء ضعفه وذله ومسكنته طالما كان صادقاً في توبته ومتمكناً من إيمانه، فالله عفو غفور والله يحب التوابين،فلقد عودنا الله تعالى على رحمته وعفوه :”وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ “.( الشورى -٤٠ )، وكذلك قال :” يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ “.( المائدة-٤٠)، ولم تكن فرصة ذهبية لرسول الله ( ص) كونه نبي هذه الأمة وقائدها والآمر الناهي فيها لتلقين المسلمين وأتباع الدولة الفتية موعظة ودرساً تكون للأولين عبرة وزجرة، وللآخرين موعظة ودرساً عملياً لكيفية الضرب بيد من حديد لمن تسول له نفسه الإنزلاق في حبائل عدو الله والرسول (ص) وعدو الإسلام والمسلمين ولو سهواً أو ضعفاً غير آبهين باحتمال كونها عابرة وأنها لحظة طيش لا ترقى لمرحلة التخاذل والتأمر ، أو الردة عن دين الله والتعاون مع العدو على نحو متواصل عمداً وإصراراً ونفاقاً، فلعل الكبير يزدجر،ولعل الصغير ترتعد فرائصه ويشب على الطاعة العمياء والخوف المطبق من عقاب لن يُفَوِتَ زلات القلوب أو مفاسد الخواطر، ولا خطوات غير مدروسة تمت أو تتم في لحظات ضعف كتلك التي وقع فيها حاطب بن أبي بلتعة ،وإنما الحكمة تقتضي إحدى النظرتين إما عقاب يتناسب والوزر المرتكب،أو عفو ورحمة قد يكون وقعهما على الآثم إيجابياً فيصحح مساره ويطرد شياطين الفكر ويتوب إلى ربه، أو أن العفو والإحسان وتلك نظرة إلى المنظور البعيد شديدة الأهمية حيث التسامح لغة العقلاء والعفو شيم الرجال النبلاء، في الحدود التي لا تضيع معها لا الدولة ولا هيبتها ولا يُضَيعُ بهما الحقوق العامة ولا الخاصة، ولا يُتَلاعب بدين الله، فيُوضعا- أي الدولة ودين الله- كرةً تتقاذفها شياطين الإنس والجان حسب الهوى والمصلحة الشيطانية فيُحَكَمُ الدين عند الحاجة ويُقْذَفَ في يم النسيان والطغيان عند الضروات التي تتطلب إنقاذاً للمتلبسات من فتنهم ونجدة ونجاة لرؤوس حان قطافها !!
{ من مركز آل البيت العالمي للمعلومات
الإرشاد ١/٥٧):

“كتب حاطب بن أبي بلتعة ـ وكان من أهل مكّة وقد شهد بدراً مع رسول الله(صلى الله عليه وآله)ـ مع سارة مولاة أبي لهب إلى قريش: إنّ رسول الله خارج إليكم يوم كذا وكذا.
وجعل لها جعلاً على أن توصله إليهم، فجعلته في رأسها، فخرجت وسارت على غير الطريق، فنزل الوحي على النبي(صلى الله عليه وآله) فأخبره، فدعا الإمام عليّاً(عليه السلام)، وقال له: “إنّ بعض أصحابي كتب إلى أهل مكّة يخبرهم بخبرنا، وقد كنت سألت الله عزّ وجلّ أن يعمي أخبارنا عليهم، والكتاب مع امرأة سوداء قد أخذت على غير الطريق، فخذ سيفك والحقها وانتزع الكتاب منها وخلِّ سبيلها”.
ثمّ استدعى الزبير بن العوام فأرسله معه، فأدركا المرأة، فسبق إليها الزبير فسألها عن الكتاب فأنكرته، وحلفت أنّه لا شيء معها وبكت، فقال الزبير: ما أرى يا أبا الحسن معها كتاباً، فارجع بنا إلى رسول الله لنخبره ببراءة ساحتها.
فقال له الإمام علي(عليه السلام): “يخبرني رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنّ معها كتاباً ويأمرني بأخذه منها وتقول أنت أنّه لا كتاب معها”!!
ثمّ أخرج(عليه السلام) سيفه وتقدّم إليها فقال: “أما والله لئن لم تخرجي الكتاب لأكشفنّك، ثمّ لأضربنّ عنقك”، فقالت له: فأعرض بوجهك عنّي، فأعرض بوجهه عنها، فكشفت قناعها، وأخرجت الكتاب من عقيصتها ـ أي ضفيرتها ـ، فأخذه(عليه السلام) وسار به إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله).}
{ من مركز آل البيت العالمي للمعلومات :(بحار الأنوار ٢١/١٢٠):
أمر النبي(صلى الله عليه وآله) أن يُنادى: الصلاة جامعة. فاجتمع الناس حتّى امتلأ بهم المسجد، ثمّ صعد المنبر والكتاب بيده وقال: “أيّها الناس، أنّي كنت سألت الله أن يخفي أخبارنا عن قريش، وأنّ رجلاً منكم كتب إلى أهل مكّة يخبرهم بخبرنا، فليقم صاحب الكتاب وإلّا فضحه الوحي”، فلم يقم أحد.
فأعاد مقالته ثانية، فقام حاطب بن أبي بلتعة ـ وهو يرتعد كالسعفة في يوم الريح العاصف ـ فقال: أنا يا رسول الله صاحب الكتاب، وما أحدثت نفاقاً بعد إسلامي، ولا شكّاً بعد يقيني.
فقال له رسول الله(صلى الله عليه وآله): “فما الذي حملك على ذلك”؟ قال: إنّ لي أهلاً بمكّة، وليس لي بها عشيرة، فأشفقت أن تكون الدائرة لهم علينا، فيكون كتابي هذا كفّاً لهم عن أهلي، ويداً لي عندهم، ولم أفعل ذلك لشك منّي في الدين.
فقال عمر بن الخطّاب: دعني يا رسول الله أضرب عنقه، فوالله لقد نافق، فقال(صلى الله عليه وآله): “إنّه من أهل بدر، ولعل الله اطلع عليهم فغفر لهم، أخرجوه من المسجد”.
فجعل الناس يدفعون في ظهره، وهو يلتفت إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) ليرّق عليه، فأمر بردّه وقال: “قد عفوت عن جرمك فاستغفر ربّك، ولا تعد لمثل هذه ما حييت”.}
يقول الحكيم العزيز :” ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ۚ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ “.( المؤمنون -٩٦) ، وقال جل جلاله :” وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ “.(فصلت-٣٤).
-للحديث بقية -
يعرف الرجال بالحق – الجزء التاسع عشر
هل ركن الذين ظلموا من الجاهلية الأخيرة إلى ظهير متهالك وإلى نصر موهوم على غفلة من الزمن ،فاعتقدوا بأن الله غافل عما يعملون ؟! وأن الجبت والطاغوت على نصرهم لقدير ؟! وأن الزمان المنافق قد ضحك لهم فماجوا في هرج مريب يتخطفون الشهوات حلها وحرامها لا يفرق الأمر عليهم، بل إن الحرام منها لأشد طلباً ورغبة لديهم من حلال مزهود عنه! وأن مناظر الحرام تحرك غرائزهم فيستبقون أبواب الحرام قرعاً بلا هوادة! وما برحت دموع وآهات الثكالى والمهتوك أعراضهن والضحايا واليتامى تزيدهم شهوة وإثارة ورغبة في الدم الحرام والعرض الحرام والمال الحرام؟! وبلغ هيجان الشهوة الحرام أن فُتح الحرام الذي يهتز له عرش السماء عبر فتاوى الزنادقة من سدنة الجاهلية الأخيرة فيتهالكون بإباحة اللواط والزنا والفسوق والمجون في أي موضع ومكان لكل مجتهد يخدم الجبت والطاغوت؟! فلا شرع إلا ما شرعه رسول الجبت والطاغوت، وأما شرع السماء فذاك شماعة المستضعفين والملجومين ممن لجموا بلجام النور غير أن نورهم أَفُلَ وأن رسولهم قد مات من قرون !! وأصبح دينهم وقيمهم موضة معتقة أن أوان استبدالها!! ( استغفر الله رب وأتوب إليه فناقل الكفر ليس بكافر ) وليعلو من اليوم فصاعداً هبل واللات والعزى أصناماً يعبد من خلالها الجبت والطاغوت حتى يوم انتصارهم الشامل ، فيكشران عن أنيابهما ومخالبهما !! فهل لتصورهم المريض هذا أساسات على أرض الواقع؟! ولنعد لرسول الله ( ص ) ولنرى هل حقق الله مراد قريش بالقضاء على الإسلام وأهله أم العكس هو الصحيح؟! ولنبدأ من رؤيا رسول الله( ص ) بالحج إلى مكة المكرمة ، يقول العلي الأعلى :”لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ ۖ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ ۖ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا “.( الفتح -٢٧).
تكللت رؤيا رسول الله (ص) والتي تعلقت ببشرى الله تعالى له وللمؤمنين بالحج إلى بيت الله الحرام، مما يعني أن دولة رسول الله ( ص ) باتت قوية عزيزة وآن لها أن تمارس شعائرها علناً دون مخافة من أحد أو خشية على نفوس أتباعها، وآن لها أن تنطلق من منطق العزة والقوة فهي عزيزة لا تضام، وتتنامى عزتها بحول الله تعالى على مدار الأيام المتعاقبة سراعاً، ولها الحق بفرض حكمتها ومنطقها مراعية حقوق الآخرين واختياراتهم ، فهذه الدولة الفتية المنتصرة أضحت قادرة على انتزاع حقها في الحياة وحقها في حماية شعائرها ودينها وممارسة شعائرها في كل مكان وأي مكان ، ولن تحسب بعد اليوم حساب العتاة القساة من قوى الأحزاب المنهزمين يوم الخندق، يوم اقتلعت جند الله رياح عاتية قواهم من حول مدينة المنصور المؤيد رسول الله ( ص ) بعد أن أقدم خير البرية بعد رسول الله علامة الإيمان على قتل علامة الكفر والنفاق عمرو بن ود ، فأعز الله محمداً(ص) بعلي سيفاً لا كمثله سيف ( ع )، ورياحاً عاتية هي هبيبات من هواء لا قنبلة محرمة !! ريحاً اقتلعتهم فولوا الأدبار ولكن الأرض وما عليها زهرت وانتعشت بلفظهم وهجرهم عنوة وقصراً عن مناكبها، فذلوا أولئك الكفرة ورجعوا ديارهم فلا هم انتصروا وقضوا وترهم من الرسول (ص) وأتباعه والقضاء عليهم ورفع راية اللات والعزى!ولا هم أبقوا على اتحاد أحزابهم !فأول الفارين من الريح العاتية شر خلق الله ابن الشجرة الملعونة أبي سفيان، فكسرت شوكتهم وكانت البداية لنصر الله المبين .
وعوداً على بدء حيث تكللت رؤيا رسول الله(ص) بالمسير إلى مكة بنية الحج والعمرة تسابقهم هديهم إلى مواضع رحمة الله ،ولكن تناهى إلى مسامع قريش أن محمداً (ص) في طريقه إلى أداء الحج والعمرة وأنه ينوي دخول مكة دون أن يضع في اعتباره قريش وهيبتها وردة أفعالها! فما يترشح عن دخوله مكة دون أذن قبائل قريش يفقدها هيبتها بين القبائل في الجزيرة العربية، ولهذا عزم أولئك العتاة الظلمة منع محمداً(ص) وأصحابه من دخول مكة فلا عمرة ولا حج بدون رضاها- أي رضا قريش- فأرسلوا مجموعة من فرسانهم بقيادة خالد بن الوليد يتحسس الأمر وينفذ فيهم رأيه الميداني الآني حسب رؤياه لواقع ما يرى، لكن الله تعالى لم يمكنه من المسلمين، إذ أنزل الله على رسوله الأمر بصلاة الخوف والتي تمكن المسلمين من الصلاة مجاميع تباعاً وبحيث تمكنهم هكذا كيفية من حراسة وحماية أنفسهم فلا يأخذهم العدو على حين غرة كما كان خالد بن الوليد ينوي الهجوم عليهم حال الدخول والتفاعل بصلواتهم،ولقد أمر رسول الله ( ص ) المسلمين بتغيير مسارهم تفادياً الإصطدام بخالد وكتيبته إشارة لحسن نوايا النبي ( ص ) والمسلمين لمغازيهم وغاياتهم النبيلة بالحج والعمرة لا الغزو والحرب،فالغايات والحِكَم من مقدمهم إلى مكة محض عبادية تنتفي بها نوايا الحرب والغزو ، ولا يفهم من ذاك أنها نابعة من موقع ضعف وإنما من مواضع الرحمة والرأفة وصلات الأرحام ،غير أن الكفرة يتمادون في تعنتهم وغيهم فيحبسون عثمان بن عفان رسول رسول رب العالمين إليهم الذي وفد إليهم شارحاً غايات النبي (ص) العبادية النبيلة من مقدمهم ،ويستأذنهم السماح لضيوف بيت الحرام بالعمرة بسلام ! كما أنهم حبسوا مجموعة من المسلمين قدموا مكة لذات الأسباب ! وعليه أرسلت قريش طلائعها تمنع الرسول من دخول مكة فما استطاعوا ،وردهم الله إلى العمق المكي ثلاثاً على يد رجل يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله كرار غير فرار إنه علي (ع )، ردوا خائبين دون قتال ، يقول تعالى :” وَهُو الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ “.( الفتح -٢٤) ، ومع ذاك يرسلون مفاوضيهم الواحد تلو الآخر وآخرهم سهيل بن عمرو يلعبون وتر صلات الأرحام بينهم وبين رسول الله (ص) بمنتهى الخبث والدهاء في لحظات ضعفهم وعز محمد( ص ) متكئين على خُلقه الذي لا يبارى وحيائه المطرد والمعروف للقاصي والداني ،واعتمادهم على أنه لن يردهم في أمر يحقن الدماء- ولعلهم من حيث لا يدرون ولكن يريده الله تعالى في نهاية المطاف، يفتحون باباً إلى نصر يعز الله به نبيه والإسلام أيضاً وهكذا كان -، فقد تبخترت كلمات وأوامر هذا المدعو سهيلاً ممثل المشركين من أهل قريش إلى صحيفة المصالحة والمعاهدة تبختر الطاووس في رقصاته!! إذ رفض ابتداءً ذكر بسم الله الرحمن الرحيم عنواناً تشريفياً للمعاهدة حيث لا يقر هو ولا من هم وراءه بالله العلي الأعلى كفراً وإلحاداً، ولا أن يذكر رسول الله لقباً لمحمد (ص)؟لأن هذا الخسيس لا يراه كذلك !ورضي رسول الله وهو القوي الذي لا يضام وهو المنتصر والذي بلغ انتصاره الخافقين فعلم القاصي والداني أن محمداً المسدد يواكبه النصر والسؤدد ويحل معه حيث يشاء ،وأن الله ربه ليس بخاذله ومخزيه ، يقول الحق :” يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ”.( التحريم -٨،)، ومن منطلق التسامح ومن منطلق نشر سياسة التفاهم ولغة الحوار لا لغة الحديد والنار،ومن مفهوم التقريب بين الأمم والناس ،ومن مبدأ العيش المشترك ضرورة حتمية في مجتمعات متعددة الأعراق والديانات والمذاهب والطوائف ولا سبيل غير ذلك ،كما أن حياتنا الدنيا هذه حياة ممر قصير يعمل فيها المرء كلٍّ على شاكلته وكل حسب مفاهيمه واختياراته ويتموضع فيها الإنسان على طريقه الذي خطه لنفسه فإما صراط مستقيم وإما إعوجاج وسبل متفرقة حتمية المصير إلى سقر، فلم التباغض والتباعد وحروب تدميرية لا غايات منها إلا استعراض القوى وسحق النفوس البرئية وهدم ودمار ينتشر في كل زاوية تلعن الرافضين لغة العقل والمنطق !! ألم يقل الله تعالى :” فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ ،لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصيْطِرٍ “. ( الغاشية -٢١-٢٢)كما يقول الحق :” إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا”.( النازعات -٤٥)،
وعوداً على بدء- مرة أخرى -رضي رسول الله محمد( ص ) الخضوع لإملاءات قريش وشروطها وكأنها المنتشية نصراً ،وكأنها القادرة من مواضع القوة والهيمنة وكذلك الهيبة أن تبسط إرادتها فتنتزع بإملاءاتها ما لم تنتزعه بفرسانها الذين خذلوها وأضاعوا هيبتها !!وركنوا إلى رحمة محمد( ص ) وتسامحه يلملمون هيبتهم وكرامتهم، فها هي أماليهم تتراكض إلى صحيفة الصلح ورسول الله(ص) يقرها !
ولا يجوز لنا أن نغفل اليومين اللذين سبقا كتابة المعاهدة إذ تخللهما الكثير من التجاذبات بين الإعتراض والرفض والتصحيح والإضافات وحبس الأنفاس من قبل كلا الطرفين لشروط وطلبات الآخر،ومع ذاك أرادت مشيئة الله للمعاهدة أن تبصر النور وأن تتم بحول الله وقوته ، وأن يوافق رسول الله( ص ) عليها!! وأن يظن صغار العقول وذوي الفكر الأني وعديمي بعد النظر والحمقى وفاقدي خاصية التأني والصبر، وكذلك الذين نُزع الإيمان المطلق -بحكمة الله ورسوله من وراء الأحداث الجارية – من صدورهم!! إذ يظن هؤلاء بالله ورسوله الظنونا!!! حتى بلغ بأحدهم أن يشكك بنبوة محمد ( ص )! فلا الصبر يعينهم ولا إيمانهم يزكيهم فيقرون لله ورسوله بقيادة الأمة والبشرية إلى صوالحهم!! ولا يعقلون الأمر بخواتيمه !ولا يسلمون لله ورسوله بالريادة المطلقة للأمة وأن الله لن يسلمهم إلا لخير ،وأن نصرهم بانت بشائره بين سطور تلك المعاهدة لو كان لهم بصيرة فيعقلون !! ولقد كانت شروط قريش على لسان ممثلهم سهيل بن عمرو قاسية على رسول الله وكاتب الصحيفة علي ( ع ) والمؤمنين وكان مما اتفق عليه :
١- إيقاف الحرب بين الطرفين لمدّة عشر سنين.
٢- التخيير بين الدخول في عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله)، أو الدخول في عهد قريش، وكذلك من جاء محمد ( ص ) مؤمناً من أهل قريش رد إلى قريش طواعية وأما من جاء قريشاً من أتباع محمد مرتداً عن دينه فلا يرد للنبي ،وهنا علق النبي محمد( ص ) بأنه لا حاجة للمسلمين بهكذا مرتد يتربع بين ظهرانيهم، وهذا ما ألزم الرسول به نفسه الشريفة إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو فاراً بدينه من أهله وقريش، لكن الرسول قد أبرم عهداً مع قريش لتوه، فلا شمائله تسمح ولا خلقه يقر أمراً خلاف ما اتفق عليه أو يخادع، وعلى القطع لا يمارغ في كلمة اقتطعها على نفسه، بهكذا كيفية يعرف رجال الحق بالكلمة الصادقة والموقف الشريف فلا مجال للكذب والمراوغة والإلتفاف على ما عاهدوا الله عليه، أولاً لأنهم وجه الله الذي يؤتى منه فلا يصح لممثليه إلا الصحيح ،ولهذا أرجع رسول الله أبي جندل بن سهيل بن عمرو إلى قريش مواسياً إياه بفرج من الله، إن الله على نصره لقدير .
{وفي المناقب:١/١٧٤:(( فقال النبي(صلى الله عليه وآله ) : من جاءهم منا فأبعده الله ومن جاءنا منهم رددناه إليهم ، فلو علم الله الإسلام من قلبه جعل له مخرجاً.. إذ جاء أوفي المناقب:١/١٧٤:(( فقال النبي(صلى الله عليه وآله ) : من جاءهم منا فأبعده الله ومن جاءنا منهم رددناه إليهم ، فلو علم الله الإسلام من قلبه جعل له مخرجاً.. إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده ، فقال سهيل: هذا يا محمد أول ما أفاوضك عليه أن ترده ! فقال(صلى الله عليه وآله ) : إنا لم نقض بالكتاب بعد ، قال: والله لا أصالحك على شئ أبداً ، فقال النبي(صلى الله عليه وآله ) : فأجره لي ، قال: ما أنا بمجيره لك. قال مكرز: بلى أجرناه ، فقال النبي(صلى الله عليه وآله ) : إنه ليس عليه بأس إنما يرجع إلى أبيه وأمه فإني أريد أن أتم لقريش شرطها }.
٣- أن يكون الإسلام ظاهراً بمكّة، لا يُكره أحد على دينه ولا يؤذى ولا يُعيّر.
٤- أن يرجع رسول الله(صلى الله عليه وآله) هذا العام، ثمّ يعود إلى مكّة في العام القادم بلا سلاح ويقيم بها ثلاثة أيّام.
تم الصلح فأعطى رسول الله أوامره للمسلمين بالنحر والحلق، إذ قال رسول الله(صلى الله عليه وآله ) لأصحابه:” أنحروا بدنكم واحلقوا رؤوسكم ، فامتنعوا وقالوا: كيف ننحر ونحلق ولم نطف بالبيت ولم نسع بين الصفا والمروة “؟!
وإنه لمن عظيم الألم توجيه سهام ذوي القربى- باعتبار المسلمين عائلة واحدة بحكم الدين – إلى صدر رسول الله ( ص ) جراء تذبذب مواقفهم وترددهم في تلبية نداء الرسول (ص) ،وصلافة تساؤلاتهم، وكأن عِبَرَ الأيام الخوالي ما أحدثت خرقاً في عقولهم ، تلك العقول التي بها ولوا الأدبار يوم أحد إلا النزر اليسير ممن هانت عليهم أنفسهم في سبيل الله ورسوله (ص)، وأيضاً بها في يوم الخندق عصوا الرسول (ص) وزهدوا بالجنة ورضوان الله تعالى!! فهل في صفوف القوم يوم الحديبية من تنهاه نفسه عن الزيغ والشطط، وتأمره الإنابة إلى الله تعالى، فينحر ويحلق دون تردد وإن لم تتضح له الرؤيا ولم يدرك الحكمة الإلهية من كل ما يدور حوله ؟! ولم يجد لرؤيا رسول الله تفسيراً ؟! ويتولى تطويع النفس الأمارة بالسوء التي تستصرخه محرضة إياه ضد مولاه رسول الله (ص) ومشككة في أقواله ، كما تستصرخه يمنة ويسرى إن كنت على ثباتك وموقفك من نبوة محمد فأين العمرة الموعودة إذن؟!
ورغم هذا الحجم الهائل من إعتراضات المسلمين ، هـل خرج النبي عن أخلاقياته ورصانة حكمته ومنطقه ومن ثم أطلق العنان للسيف يرتوي من دماء العاصين أمره للعقاب والعبرة ؟! مع ملاحظة أنهم قبل قليل من الزمن قد أقدموا على بيعة رسول الله على السمع والطاعة والقتال في سبيل الله ثابتين مرابطين فلا فرار ولا تراجع وسميت بيعتهم تلك بيعة الرضوان، ولقد قال الله تعالى في ذاك :”لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا “.( الفتح -١٨)، فما عدا مما بدا ؟!! فالمستعد للثبات والرباط في سبيل الله لا تغيره العناوين !! فكون العمرة أجلت عاماً أو بعض أعوام أو لم تتم أصلاً ،لا تزعزعه المستجدات المبهمة آنياً فلله في خلقة شؤون !! فإقراره بالأولوية والأهمية القصوى لأولياء الأمر الله جَلَّ شأنه ولرسوله(ص)، والقائم على حب سرمدي لله ورسوله ( ص ) والمفترض أنه خالط كيانه ودمه، وتملك هذا الحب الخالد من مفاصل العقل والفؤاد منه تمنعنه وتحصنه من زلات كتلك التي اجتاحت بعض من مسلمي الحديبية!! فالتبس عليهم الأمر وإذ بزوبعة في فنجان الإعتراض تشل حركاتهم وتُرْبِكْهم على حمل أوامر الرسول وتنفيذها على نحو فوري دون جدال قد يفضي إلى مالا يحمد عقباه !!وقد وقع المحظور !!
مما تسبب بجرح عميق لرسول الله(ص) وكظة وخيبة أمل مفجوعة بأمة ما ورد عليها وارد وحدث إلا وغربلها، فميز بين المؤمن حقاً والمسلم الذي ما زال ينتظر حدثاً يثبته على الصراط المستقيم تثبيتاً حازماً ونهائياً !!ولقد قال تعالى :” وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ “.( يوسف-١٠٣).
ورغم شدة ألم سيد الخلق لم يتبعه ردة فعل مضادة لها من رسول الله عقاباً ولا تأليباًً ، وعلى سنا خلقه (ص) تجلى ، فما تفوه بغير النصح والرشد والكلمة الطيبة ولا تهدد ولا توعد مخالفيه أو المعترضين على أمره ولا المتململين تنفيذ أمره دون السماح لومضة من الحكمة أن تبصر طريقها إليهم !ومع ذاك لم يسمع لرسول الله (ص) أن أزبد وأرعد وتوعدهم بالويل والثبور وعظائم الأمور ،ولا بجلدهم ولا بنحرمهم ،ولا باستئصال شأفتهم إذا ما ركنوا إلى حيرتهم تضللهم وتقذفهم في موج الريبة والظنون !!وإنما كظم غيظه وصبر ثم احتسب ،ونحر ليمتثل من في قلبه ذرة من إيمان متأسياً بسيد خلق ربه (ص)، وتوكل (ص) على الله العلي الأعلى تاركاً حساب من في قلبه مرض على الله الحسيب الرقيب ؟! قال الحق : “حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ۚ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ “.( الأعراف -١٠٥). يقول العلي الأعلى :” فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ،لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ “.( الغاشية -٢١-٢٢).
{ قال القمي في تفسيره:٢/٣١٠:(( ورجع حفص بن الأحنف ، وسهيل بن عمرو إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله ) وقالا: يا محمد قد أجابت قريش إلى ما اشترطت عليهم من إظهار الإسلام وأن لا يكره أحدٌ على دينه. فدعا رسول الله(صلى الله عليه وآله ) بالكتب ودعا أمير المؤمنين وقال له: أكتب… ثم كتب: هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد الله والملأ من قريش وسهيل بن عمرو ، واصطلحوا على وضع الحرب بينهم عشر سنين ، على أن يكف بعض عن بعض ، وعلى أنه لا إسلال ، ولا إغلال ، وأن بيننا وبينهم عيبة مكفوفة ، وأنه من أحب أن يدخل في عهد محمد وعقده فعل ، وأن من أحب أن يدخل في عهد قريش وعقدها فعل ، وأنه من أتى من قريش إلى أصحاب محمد بغير إذن وليه يرده إليه ، وأنه من أتى قريشاً من أصحاب محمد لم يرده إليه ، وأن يكون الإسلام ظاهراً بمكة لا يكره أحد على دينه ولا يؤذى ولا يعيَّر ، وأن محمداً يرجع عنهم عامه هذا وأصحابه ، ثم يدخل علينا في العام القابل مكة فيقيم فيها ثلاثة أيام ، ولا يدخل عليها بسلاح إلا سلاح المسافر السيوف في القراب. وكتب علي بن أبي طالب ، وشهد على الكتاب المهاجرون والأنصار… قال: فلما كتبوا الكتاب قامت خزاعة فقالت: نحن في عهد محمد رسول الله وعقده ، وقامت بنو بكر فقالت: نحن في عهد قريش وعقدها .
وكتبوا نسختين نسخة عند رسول الله(صلى الله عليه وآله ) ، ونسخة عند سهيل بن عمرو ، ورجع سهيل بن عمرو وحفص بن الأحنف إلى قريش فأخبراهم .}
ونعود لرسول الرحمة وأبي الأخلاقيات فهل تساءلنا لم لا يشذ رسول الله عن أخلاقياته قليلاً فيعتمد سياسة الأمر والجبر والإكراه؟! فقائد كل جيش مخول بل له مطلق السلطة في أصدار أوامره حسب تقديراته ورؤاه، ومن حقه الملازم لكونه القائد الأعلى للجيش أن يتوقع نفاذ أوامره على النحو الذي يرتئيه ،وإلا فقانون عقوبات صارم بين يديه يطلقه على المخالفين لضمان الحزم والجزم وسلطة غير مهزوزة، ونتائج الحزم تلك مضمونة معفية العواقب، وهي صمام أمان أكيد لجيش قوي متماسك، ولكن جُبِلَ الرسول على سياسة مخالفة لتلك، فسياسته اللين والرحمة، والخيار ولا إكراه ولا إجبار فيها بالمطلق، حيث سياسة الإله رب العالمين تقوم على قناعات الفرد لا المجموعة فيما يتعلق بشعائر الله أولاً، مع عدم الإستهانة على حرص الإسلام على تطبيع مجتمع إسلامي منضبط وفق المعايير الإلهية ،مؤمن متبن لتعاليم السماء السمحة كلها، ملتزم بشرائع دينه ومُحكمات كتابه كلها لا إلتزام من عبد الله على حرف! غير مغال ولا جاحد بنواميس السماء ولا متبع الهوى في تطبيقاته،ألم يقل العلي الأعلى :” كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ “.( المدثر -٣٨)، كما قال الحق :” وَلِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ “.(الجاثية-٢٢)، وقال الحق أيضاً:” وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ “.( البقرة -٤٨)، وكيفية تبني المسلم لتعاليم السماء وإقراره بجوارحه وكيانه للخالق ومبعوثه وخضوعه وخشوعه واستيعابه لها طواعية، ثم مخالطة بوتقة من الحب اللامتناهي لله ورسوله وقناعات ذاك المسلم بما أُنزل على رسول الرحمة نبيه المؤمن به ،والمسلم له، والمعتقد بأنه الآمر الناهي برسم السماء بحيث أن هذه البوتقة تخالط دمه وقلبه وفؤاده، فتقلبه ذات اليمين وذات الشمال حسب دفة رسول الله قائد الأمة ،والحق يقال أن نعمة العقل ونعمة التبصر في الأمور ومستجداتها ونتائج التمسك بها ومن ثم عواقب التخلف عنها تحمل المرء مسئولية تبعات إختياراته- كما هو الحاصل في الغموض الذي ترتب على صلح الحديبية ورؤيا رسول الله بالحج والعمرة والتي فهمت على أن الحدث واقع لا محالة على نحو فوري- ،فكٌل بما كسبت يداه رهينة !!
فالفرض والإجبار في المعتقد والإلزام به لا يؤتي أكله، ولكن هذا لا يبرر الإندفاع دون حساب العواقب ،ولا يبرر شقاق الرسول (ص) ،بل نتائجه كارثية على فاعله وعلى أمة صامتة احتملت بصمتهاالمفجع وزر الآخرين بصفتها شريك صامت راض ، يقول العلي الأعلى :” ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ “.( محمد -٢٨) ، وقال الحق أيضاً :” وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ “.( الأحزاب -٣٦).
ولكن ما بال المسلمين يتعثرون في كل اختبار وموقف لهم مع رسول الله( ص )، كما يزيد الأمر حيرة وبلبلة رفضهم بشائر الضمانات الإلهية الموعودة !ويتمنون مواقف توافق تصوراتهم وتأملاتهم وطموحاتهم وصبرهم الذي نفذ قبل أن يولد !!وتتفاقم الأوضاع سوءاً إذ يواعدهم رسول الله بالعودة والعمرة في وقت لاحق ونصر من الله تعالى بدايته صلح الحديبية ولكن لقد اسمعت إذ ناديت حياً–ولكن لا حياة لمن تنادى !!فهل انقلبت الصورة ؟! يقول الحق :” وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ ۚ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ”.( الأنفال -٤٢)، كما قال :” إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ “.( النمل -٨٠) ، ولقد قال رسول الله (ص): ” الصبر نصف الإيمان “. وقال (ص): ” من أقل ما أوتيتم اليقين وعزيمته الصبر، ومن أعطى حظه منهما لم يبال ما فاته من قيام الليل وصيام النهار، ولئن تصبروا على مثل ما أنتم عليه أحب إلي من أن يوافيني كل امرئ منكم بمثل عمل جميعكم، ولكني أخاف أن يفتح عليكم الدنيا بعدي فينكر بعضكم بعضاً، وينكركم أهل السماء عند ذلك، فمن صبر واحتسب ظفر بكمال ثوابه ” . وقال الحق :” مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ ۖ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ ۗ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ”.( النحل -٩٦).
وما من خُلِقٍ سامٍ إلا وله تأثير آني على الطرف المتلقي وتأثير لاحق عليه وعلى أطراف أخرى على القطع، والملاحظ تتابع ردات ليونة المصطفى ( ص ) وتساهله مع المفاوض باسم كفار قريش ، وتجاوبه مع شروط وصلت حد الإملاءات الغير متناسبة وضعف قريش المهزومة في واقعة الأحزاب ومجموعتها المهزومة ثلاثاً برجوعها إلى بطون مكة مدحورة من قبل سيف الله الغالب علي (ع) وكتيبته دون قتال ! ورغم ذاك من حيث ضعفها تجبرت واستغلت إنسانية النبي وأدابه وحياءه وشغائف رحمته لتملي بكل وقاحة طلباتها ورسول الله يجيبها،ويرضخ لإرادة الرحمن الذي أمره بالرضا بالصلح، إلا أن من المفارقات العجيبة التي لو علمتها قريش سابقاً ما أقدمت على صلح نزع الرسول (ص) بمرونته أنيابها، وأيضاً بتنازله كان سبباً مباشراً ودافعاً لدخول الكثير ممن رفض حتى تلك اللحظة الإسلام ديناً،بدليل الفارق الهائل بين الأعداد التي صاحبت رسول الله ( ص ) إلى العمرة الموعودة والتي أفضت إلى صلح الحديبية، والأمواج البشرية المتلاحقة والتي صاحبت رسول الله (ص) إلى نصر الله المبين وفتح مكة .
[ من موقع سماحة الشيخ علي الكوراني :السيرة النبوية عند أهل البيت (ع) ـ ج ٢ – الفصل التاسع والأربعون : غزوة الحديبية وتوقيع الهدنة مع قريش:-
{ وقال الأحمدي في مكاتيب الرسول(صلى الله عليه وآله ) : 1/181: (( لما تم صلح الحديبية في شهر ذي القعدة سنة ست من الهجرة ، رجع رسول الله(صلى الله عليه وآله ) إلى المدينة.. فعندئذ كتب إلى الملوك من العرب والعجم ورؤساء القبائل والأساقفة والمرازبة والعمال وغيرهم ، يدعوهم إلى الله تعالى وإلى الإسلام ، فبدأ بإمبراطوري الروم وفارس وملكي الحبشة والقبط ، ثم بغيرهم ، فكتب في يوم واحد ستة كتب وأرسلها مع ستة رسل.. قيل: يا رسول الله إنهم لا يقرؤون كتاباً إلا إذا كان مختوماً ، فاتخذ رسول الله(صلى الله عليه وآله ) خاتماً من فضة ، نقشه ثلاثة أسطر: محمد رسول الله.
وقيل: إن الأسطر الثلاثة تقرأ من أسفل فيبدأ به محمد ، ثم رسول ، ثم الله ، فختم به الكتب. وفي مسند عبد بن حميد عن أنس قال: كتب رسول الله (ص) إلى ملك الروم فلم يجبه ، فقيل له: إنه لا يقرأ إلا أن يختم ، قال: فاتخذ رسول الله خاتماً من فضة وكتب فيه: محمد رسول الله…
وهذه الكتب بأجمعها تتضمن معنى واحداً وتروم قصداً فارداً وإن كان اللفظ مختلفاً إذ كلها كتب لمرمى واحد ، وهو الدعوة إلى التوحيد والإسلام…
قال قيصر لأخيه حين أمره برمي الكتاب: أترى أرمي كتاب رجل يأتيه الناموس الأكبر. وقال لأبي سفيان بعد أن سأله وتكلم معه في النبي(صلى الله عليه وآله ) كما يأتي: إن كان ما تقول حقاً فإنه نبي ليبلغن ملكه ما تحت قدمي.
وخرج ضغاطر الأسقف أسقف الروم بعد قراءة الكتاب إلى الكنيسة والناس حشد فيها ، وقال: يا معشر الروم إنه قد جاءنا كتاب أحمد ، يدعونا إلى الله ، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن أحمد رسول الله.
وقال المقوقس: إني قد نظرت في أمر هذا النبي فوجدته لا يأمر بمزهود فيه ، ولا ينهى عن مرغوب فيه ، ولم أجده بالساحر الضال ولا الكاهن الكذاب. وكتب فروة عامل قيصر على عمَّان إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله ) بإسلامه ، فلما بلغ ذلك ملك الروم أخذه واعتقله واستتابه فأبى ، ثم قتله فقال حين يقتل: بلغ سراة المسلمين بأنني سلَّمت ربي أعظمي وبناني
وكتب اليه هوذة بن علي ملك اليمامة: ما أحسن ما تدعو إليه وأجمله.
وأجابه جيفر وعبد ابنا جلندي ملكا عُمَان ، بالإسلام وخلوا بينه وبين الصدقة.
وأجابه المنذر بن ساوى ملك البحرين وحسن إسلامه. وأجابه ملوك حمير ووفدوا. وأجابه أساقفة نجران وأعطوا الجزية ، ولباه عمال ملك فارس بالبحرين واليمن، ولباه أقيال حضرموت ، ولباه ملك أيلة ويهود مقنا وغيرهم ، إما بالإسلام أو الجزية. وكتب إليه النجاشي بإسلامه وإيمانه..}]
ولو اقتصر الأمر على ضمان سلامة المسلمين والحرية التي انتزعها رسول الله (ص) واكتسبها لهم في صلح الحديبية والتي بموجبها يُكفل للمسلمين المتواجدين في مكة حرية ممارسة شعائر الإسلام دون خوف ولا ارتباك في كل موقع ومكان جهاراً ليلاً ونهاراً، لكان نصراً وفتحاً عظيماً، إنه بالفعل مكسب جَدُّ عظيم وصمام أمان للمسلمين ولمن رغب بالتعرف على الإسلام السمح والداعي لمكارم الأخلاق وللتكافل كما أنه يلزم بصلات الأرحام وحسن الجوار، كذلك هو الدين السلام المسالم المتجنب للحروب ما أمكن ،والدليل رضا الرسول(ص) بهدنة سلام بين المسلمين وقريش التي لا يأمن غدرها لمدة عشر سنين ،والتي لم تستطع قريش الإلتزام بها! فأوعز على أثرها الرسول للمسلمين للتوجه بقيادته إلى مكة فاتحين ولسان حالهم يقول :” وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا ۖ نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ “.( الصف -١٣) و:” وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا “.(الإسراء-٨١).
للحديث بقية
يعرف الرجال بالحق – الجزء الثامن عشر
“قال الإمام الحسين بن علي ( عليه السَّلام ) : ” النَّاسُ عَبِيدُ الدُّنْيَا ، وَ الدِّينُ لَعِقٌ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ ، يَحُوطُونَهُ مَا دَرَّتْ مَعَايِشُهُمْ ، فَإِذَا مُحِّصُوا بِالْبَلَاءِ قَلَّ الدَّيَّانُون “، ولكن إذا وُضعت موازين القيم والأخلاق وشرائع السماء بل وحتى الشرائع الوضعية فهل يختلف عاقلان يخافان الله واليوم الآخر ،أو اثنان من حكماء القانون أياً كان هذا القانون على أن ما يَحْدُثَ ويُحْدَث في أرض الأنبياء المقدسة وأرض الأولياء لا يمت للدين بصلة ولا يقارب المنطق !! ويجافي الحكمة ويختلف مع الفطرة السوية ويناقض شرع السماء!! وأن الله بريء مما يفعله حثالة جيف نتنة ، وأن شعار التوحيد الرنان الذي رفعوه عالياً إنما نُكص على أيديهم بغاية الإصرار والترصد لتمزيقه شر ممزق بأيديهم وأيدي المُهَجَرِين من الإسلام عنوة وصدمة!!
مهاجرين دين وهم وأحلام يقظة وردية !! عَدْوه يوماً دين الخلاص والقيم والنجاة ودين ظهير وسند، ولكن على أرض الواقع صُدمت أمانيهم وفُجعت مشاعرهم ،وتحطمت قيمهم بحصاد قوم جاءوا من أقصاع الأرض رافعين الدين راية وتطبيقه مبدأ ومنهاجاً !! ولكن لا على نحو ما ذهب إليه الرب الخالق الذي أرسل رسله بالرحمة وختمهم بنبي الرحمة محمد (ص) الذي كان برداً وسلاماً على الأمة خاصة وعلى من لا يحارب الإسلام من أهل الكتب السماوية الأخرى بل وحتى الكافر المشرك والذي لا يناصب الإسلام العداء عامة،بل ذهبوا في زيفهم أن اتخذوا منهاج الجبارين والشياطين منهاجاً،ولكن علقوه برقبة الإله الخالق مكيدة فيه ،وليتم عليه نقمتهم بتجريد الأرض منه ومن أتباعه ومنهاجه! ألم يقل الله فيهم :”وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا ۗ قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ۖ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ “.( الأعراف -٢٨) ، ويقول تعالى : “وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ “.( الشعراء -١٣٠) ، كما يقول العلي الأعلى :” يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ “.( البقرة -٩) ، ويقول الحق :” الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ “.( البقرة-٢٧)،.
فإذا بالكثير من الجهلة والسذج ومن سولت لهم أنفسهم المريضة الزهد في هكذا دين أتباعه هكذا قساة غلاظ جهلة !! وليتهم زهدوا في دين أولئك الفسقة المجرمون إنما عَفَّوا عن الدين القويم دين الصراط المستقيم !!وها هي فئات ممن اختلطت عليهم الأمور بين شرع الله ومدعي التطبيق السرطاني وخاصة الملثمين ذوي الأشكال المريبة والسحنات المشكوك في دينها والسمات التي تنضح كفراً وزندقة والتي ما عرفت الإله يوماً! بل هي المطرودة من رحمة الله قصراً وحكماً، فكانت هجرة أولئك الذين لم يحسنوا قراءة ما طبع الله على وجوه سدنة الدين الجديد من حكم إلهي حاسم لا يرد ولا يبدل، إذ طبع الله على جباههم حكمه الفصل كوافر بالخط العريض لمن له بصيرة ونور فيراها واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار !!ألم يقل الله تعالى :”أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ “.( محمد -١٤ )، وقال سبحانه وتعالى :” أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ ۚ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ ۚ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ “.( الزمر-٢٢).
وعموماً هجر أولئك ضعاف النفوس دين الله أفواجاً أفواجاً !!وهذا نتاج طبيعي للمهترئة معتقداتهم ،والجبانة بل المهزوزة المرتجفة قواعدهم العقائدية!! فالضبابية التي تغشى أبصارهم فتغتال حسن الظن بالله لديهم،وتركبهم موج الإلحاد تباعاً !! مبتدئين ركوب الموج بالضيق والحنق من ابتلاءات الله الخاوية المعاني! فلا أفق يرجى من الصبر على ابتلاءات الله،ولا حكمة ترجى من انتظار الفرج في عيونهم !!- استغفر الله ربي وأتوب إليه -،وهم في نفورهم من الدين القويم يضرمون ناراً من حيث لا يحتسبون يريدها ويتمناها ويسعى إليها خفافيش الظلام وأزلام الجبت والطاغوت – إذ يرسلون أفكاراً هدامة مبنية على حجم المعاناة التي عاينوها وتقلبوا على جمرها بأيدي القساة الغلاظ ، ولست مقللة أو محقرة حجم المأساة التي عايشوها غير أن فشلهم الذريع في الصبر على هكذا ابتلاء هو موضوع استهجاننا واستغرابنا!! إذ محصلة نتائجهم الركيكة مبنية على خليط من الإحباط من تباطؤ الآخرين عن نصرتهم ،وتواطؤ شياطين الإنس والجان ضدهم، ونظرتهم الحصرية على تفردهم بالإبتلاء دون غيرهم من الناس!! وكأنهم بدعاً من البشر المبتلين دون غيرهم من الأولين والآخرين بمأساة حجمها حجم السموات والأرض !! ألم يقل الله تعالى :”أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ،وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ “.( العنكبوت -٢ )،. كما قال تعالى :” أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ ۖ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ “.( البقرة -٢١٤).
فيورد ضعاف النفوس والمستسلمين الجدد لمكائد الشيطان ومخططاته الرَجِسَة محصلة ردتهم الفتنة الغير محسوبة النتائج – إنما هي حصاد غيظهم وحنقهم من مأساة ابتلائية جرت المقادير عليهم بها – ورود المرسلات سفهاً وتبرماً فأذاعوا فحشاً ضروة التبرؤ من الدين القويم، وإنكار وجود الخالق العظيم !!يقول الخالق الغني :” ۚ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ۗ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ۚ وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ “.( البقرة -٢١٧)، إذ لا يريد أحد- حسب دعواهم – ديناً سفاحاً هتاكاً للأعراض، سالباً من النفوس الأمن والأمان والحقوق والحقائق ومُحِطاً لدرجات الناس، في حين يدعي محمد( ص ) وربه ( استغفر الله رب وأتوب إليه ) أن الله خلق الناس أحراراً، وأنهم سواسية فلا فرق بين أحدهم والآخر إلا بالتقوى، وأن لهم مطلق الحرية في اختيار دينهم ومعتقدهم، ألم يقل الله تعالى :”لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ”. ( البقرة -٢٥٦) ، وأن الله تعالى هو المسئول عن مسألتهم إذ يقول :” وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ”.( البقرة -١٩٦)، كما قال تعالى :”اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ “.( المائدة -٩٨)، غير أن الواقع يخالف دعواهما مخالفة صريحة !!وأن الغربان ممن اجتمعوا على موائد المظلومين هم القيمون وهم المهيمنون وهم المحاسبون، فيرسلون هذا إلى جنتهم المزعومة وذاك إلى نارهم المشؤومة وإلى عذاب مصبوب بيد شيطانية لا ترحم، وإذ يرجعون الناس القهقري من بعد عز عصر العلم والفضاء والعدالة والمساواة وحرية الدين والمعتقد إلى جاهلية السيف والسوط!! وهيمنة الغازي الجاهل القوي المستبد، وإلى مفاهيم انحطاطية وأفكار معيبة وترهات لا تصدق ،ولا تعقل أن تصدر من أفواه وإن ماجت بالغي والسفه، وإن أُعدمت العقل والمنطق، إلا أنها ما برحت تجافي أدنى مستويات التفكير السوي !ولن أتجرأ متجردة الموضوعية بالقول أن تفكيرهم ذاك للتو يحبو في عالم المنطق والفكر وإنما حتى هذه لم يبلغوها!! فعقولهم تحجرت سفهاً وادعت كذباً وزوراً أنها مصدقة لما تقول وتنطق !!غير أنها دعواهم الباطلة لا تنطلي على أحد إذ يزعمون أنهم مؤمنون بأقوالهم وأفعالهم !! لكن مافتئ المنطق يتغنى فيقول “حدث العاقل بما لا يعقل فإن صدقك فلا عقل له” !! فهل يعقل إيمانهم مثلاً بالنظرة المتدنية للموءودة سابقاً المرأة!! بحيث يُحرم عليها فكرهم الظلامي أبسط حقوقها ويسلبها أدميتها وينزلها بضاعة مزجاة إلا في مواضع الجنس ومتاع حرام !! حتى أنهم ذهبوا في ترهاتهم إلى تحريم جلسوها على الكرسي أو حرمة نومها أو إستنادها إلى الحائط والتوكؤ عليه باعتبار الحائط اسم علم مذكر وهي نكرة حقيرة مؤنث! فيحرم اجتماع النقيضين !!!وماذا عن سوقهم الحرائر من النساء تجارة رابحة في أسواق الرقيق ؟!أو تفرد أمرائهم كما يدعون بالجميلات منهن كمحظيات بالقوة والإكراه ؟! فهل هذه من معتقدات العقلاء ؟! أم يريدون لتلك المخلوقة أن تخرج عن عقالها، فتكفر برب العنصرية ورب الرجل ولتكفر الأمة التي تحتضنتها هذه المخلوقة بين حشاياها تباعاً لكفر حاضنتها !! ألا إن المؤامرة مصاب جَلَّل وما خفي كان أعظم !! قال تعالى :” تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ، وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ، يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا ۖ فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ، وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ، مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ ۖ وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ”. (الجاثية -من ٦- حتى -١٠) ،وقال تعالى :” أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ “. (الجاثية -٢٣).كما قال مالك يوم الدين :”ذَٰلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۚ فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (الجاثية -٣٥).
وأفعالهم صواعق وزلازل تحير العقول وتشتتها فلا تصل لعللها ودوافعها !!فهم يقتلون من يقول ربي الله ثم يدعون أنهم ممثلي السماء حقاً حقاً !!يصلوبون الناس على كل حائط ثم يدعون سجوداً لله شكراً! رغم رفض الإسلام منكراً لطباع الضباع الفراعنة الذين استباحوا كل المستهجن والمنبوذ من الطباع الوحشية والمنهي عنها سماوياً !! ألم يؤكد الله أن هذا طباع مؤسسهم الأول فرعون وما الآخر بأكرم من الأول باحتضان هكذا طباع !! يقول تعالى :”فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى “.( طه -٧١)،إنهم كواسر تتصدر المشاهد بتشويه الناس وبإحداث إعاقات متعمدة فيهم بحجة تافة أو أخرى لضمان إقامة دولتهم المزعومة لا بل غابتهم المريبة !وقوانين غابتهم القائمة على سفك الدماء وعلى أنقاض جيل معاق لا يتمكن من مواجهتهم، وباستباحة كل ما أمكن استباحته بما فيه الفكر والمعتقد وقيم الإنسان والمجتمع على حد سواء، فمجتمع جاهل مجتمع مستسلم الخطى،وبضربه في مثله العليا وخاصة رجالات الله العظام صمام ضمان محكم لديمومة قائمهم المسخ ! وها هم يفجرون مراقد الأنبياء والأولياء!وينظرون يمنة ويساراً هل بقي للدين ناصر ينصره ؟! وهل كفر الشيخ الكبير قبل الطفل الرضيع بنصر الله ؟! ولقد قال تعالى :”أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ “.( الجاثية -٢٣).
ومن عجائب الأمور هدمهم البيوت والحضارات، واكتساح الحجر والشجر هدماً وتدميراً واقتلاعاً، فلا يبقي ولا يذر !ومع ذاك ينعقون بدولتهم المزعومة على أنقاض مهجورة مغصوبة تتقلب فيها الأشباح جزعاً! وتتطاير الغربان فيها ناعقة، وتصفر الرياح فيها ناعية القوم ومبشرة الضباع بيوم حالك شديد السواد ،فيوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم – صدق أمير المتقين علي (ع) – ألا لعنة الله على الظالمين ! فأي دولة شؤم يعنون ؟!أيعقل أن الخراب والدمار ومساكن مهجورة تكون دولة؟!وإن ادعوا بأن مقومات الدولة فيها متوافرة بأموال منهوبة وموارد طبيعية متوافرة، ودول استعمارية وأخرى منفعية آثمة تمولها وتعاضدها، وجيش من الضباع يحرسها !غير أن أهم مُقوِّمٍ مفقود فيها فالإنسان يبني الدولة وحضارتها، فإذا كان الإنسان جثة هامدة أو معاق معطوب إنكفأ جسده بفعل سواطيرهم ومعاولهم فحرم قدرة البناء والإنتاج والعمل قصراً وجوراً، أو إنه الإنسان الهارب من سطواتهم أو طريداً شريداً عنوة وإكراهاً، فعن أي دولة يتحدثون ؟! إلا أن يكون في مخططهم المسعور التسلط على الناس بحكم استرقاقهم وجعلهم سخرة يجبرون على العمل والبناء لدولتهم الخراب !! وأنا لا أرى عاقلاً يتمنى الركون إليهم أو تصديقهم أو يمني النفس بالأمن والأمان في نفسه وأهله وماله بجوارهم ! وهل يحلم أن يأتمنهم على دينه؟! وهل يستخف بعقله فيتخذهم ولياً ؟!يقول الحق :” يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ ۙ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي ۚ تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ ۚ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ “.( الممتحنة-١)، كما قال سبحانه :”يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا”.(النساء-١٤٤).
ثم إنهم يحرقون دور العبادة بيوت الله من مساجد وكنائس وحسينيات كانت ترفع اسم الله، وسُبْحَ الله فيها أناء الليل وأطراف النهار،وكان عباد الله يتلقون فيها دروساً من تعاليم السماء ،ويُحَثَّون على التحلي بأخلاق الله واتْباع رجال الله العظام الذين بذلوا مهجهم في إصلاح البشرية واستنقاذها من حبائل الشيطان ،فقد قال أحكم الحاكمين :”وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا ۚ أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ “.( البقرة -١١٤)، إلا أن هؤلاء المفسدون يرتكبون مجازهم وجرائمهم ويدكون بيوت الله دكاً دكاً جهاراً نهاراً !!ثم يتبخترون صلفاً ويتشامخون عتواً وطيشاً بدعواهم إنما فعلناهاعلى علم الله وحباً في ذات الله وتنزيهاً لجلال الله !! يقول الحق : وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ”.( لقمان -٦)، كما قال:”قال تعالى :” الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا، أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاء إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلا،قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا،الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا،أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا”.( الكهف -١٠١-١٠٥)
{ينقل المرحوم الشيخ عباس القمي (رض) في كتابه القيّم (سفينة البحار) تحت مادة (نَفَق) حديثاً ملفتاً عن الرسول(صلى الله عليه وآله) نأتي به هنا:”إني لا أخاف على أمتي مؤمناً ولا مشركاً، أمّا المؤمن فيمنعه الله بايمانه وأما المشرك فيقمعه الله بشركه، ولكني أخاف عليكم كل منافق عالم اللسان، يقول ما تعرفون ويفعل ما تنكرون”.} ولقد قال تعالى :”وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ، يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ، فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ “. (البقرة-من -٨-إلى -١٠).
فها هو نبي الله يونس (ع ) وجده الأكبر نبي الله شيث ( ع ) يشكوان إلى الله تعالى تفجير سدنة الدين الجديد قبريهما وقبور أخرى لأنبياء الله الكرام (ع )!! يقول تعالى :”هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ “.( الرحمن-٦٠)فهل هذا جزاء الإحسان ؟!وهل هذا هو تكريم رجالات الله الذين بذلوا مهجهم في الإرشاد والبيان والتقويم للأمم خالصة لوجه الله تعالى دون نية طلب أجر لأعمالهم
المضنية الشاقة إلا من العلي الأعلى؟!فلقد قال الحق :”وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ ۚ “.( هود -٢٩)، وهل تفجير قبور الأنبياء تقربهم إلى الله زلفى ؟! وهل أيد أثمة تجرأت بنسف قبور الأنبياء والأولياء لا نبشها فقط-ونعيد فنكرر حرمة نبش القبور- هي أيد ناصعة طاهرة تمثل إرادة الرب ؟! وهل أولئك الهدامون المخربون غير بنائين رجال الله حقاً؟! وهل سيماهم وأفعالهم عنوانها الحق حقاً؟!!
وعوداً على نسفهم قبور الأنبياء ثم نسبتها إلى أمر الله تعالى !! فمنذ متى عمد رب السموات والأرض إلى تحطيم أسطورة نبي واستبدالها بأخرى ؟! ومتى وأين كلف المؤمنون بتحطيم وهدم قبور الأنبياء؟!أفي كتاب الله أم في سنة رسول الله (ص) عثر على هكذا تكليف لا حكمة عقلية فيه؟! وهل يجيبنا الفطاحل سدنة الإله المخلوق ( لعنهم الله وإياه )أين إثباتاتهم وبيناتهم التي تثبت لنا تخلف الأنبياء عن طاعة أمر الله في هدم قبور الأنبياء الذين سبقوهم؟!قال تعالى :” قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ “.( يونس -١٨)، وقال سبحانه :”قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ “.( النمل-٦٩).
ولنأخذ النبي محمد (ص) مثالاً حياً فهل تناهى إلى مسامعهم دعوة الرسول (ص)الناس هدم قبور الأنبياء ؟! وهل جيش الجيوش لهدمها أم ذهب منفرداً؟! وأين معاوله التي تم بها هدم قبر كافر قبل أن نتحدث عن قبور الأنبياء( ع ) ؟!- حسبي الله ونعم الوكيل -،ألم يأخذ الله المواثيق على حب واحترام الأنبياء جميعاً لا فرق بين أحدهم والآخر؟! وجعلها جزءاً لا يتجزأ من أركان وأساسيات الإيمان ؟!ألم يجعل الله ذكراهم العطرة عبادة تقرب من لهج قلبه ولسانه بها إلى الله زلفى؟!ألم يقل الله تعالى في محكم كتابه العزيز :ذَٰلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ “.(الحج-٣٠)، وكذلك قال :” ذَٰلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ “.(الحج-٣٢)، فإذا كانت الذكرى عتبة من عتبات الرفعة إلى جنان الله، فهل المساس بقبورهم وأجسادهم الطاهرة ظلماً وعدواناً هي الأخرى عتبة من عتبات الصراط المستقيم حقاً ؟!!ما لكم كيف تحكمون؟! ألم يقل الله تعالى :” آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ۚ”.( البقرة -٢٨٥)، ويقول الحق :” هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ”.( الرحمن -٦٠)،فهل يهان أنبياء الله يونس وشيث (ع ) والآخرين (ع )على أيدي شر أهل الأرض بتفجير قبورهم؟! وهل يغتالون من بعد موتهم بمحو كل أثر طيب وصنعة طيبة لهم ؟!وذكرى ماجدة تدق عروش الجبابرة وتذكرهم لحظات الحساب القادمة لا ريب فيها؟!يقول تعالى :”وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَٰكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ “.( النحل-١١٨)، كما قال الحكم العدل :”وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ”.( البقرة-٥٧)، فيعملون على ضربة استباقية للغدر برجالات الله وأيام الله قبل وقوعها وعلى يد من ؟! على يد طغمة من البهائم -المجردة من كل مضامين العقل والمنطق والقيم والأخلاق والمساقة إلى حتوفهامن حيث لا تدري – قبل أن تساق إلى محو أثار وبصمات الله في الأرض بحجة تافهة لا تستساغ وهي شركية زوار القبور ؟!فإذا افترضنا جدلاً أن زوار القبور مشركون فما ذنب قبور الأنبياء والأولياء حتى يصار إلى تفجيرها؟!”تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ “.(النجم-٢٢)،لقد قال تعالى :” إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا “.( النساء -١٥٠) ، وهل استطاع الأولون عندما تصدروا الأمر بأعنف سبلهم وأكثرها شدة وغلظة وأنكلها تعذيباً منع مشيئة الله أو الحؤول دون أن يعم نور الله على الأرض ؟! أو استطاعوا منع عقاب الله الأليم من أن يشملهم؟! أو دفعوا عن أنفسهم الموت المريع حين تمت مشيئة الله بجعلهم عبرة للمعتبرين؟! حتى يخيل لهؤلاء الكوافر قدرتهم اطفاء نور الله بأصابع ديناميت مسددة إلى قلوب الأنبياء في قبورهم ؟! أو إلى أنوار وصدور الأوصياء والحجج والأولياء في عليائهم ومراقدهم بقنابل وضعية منشأ مكوناتها من خلق القادر المقتدر؟! فما هذا الهراء ؟ وهل عُرف الحق بهؤلاء حقاً؟!ألم يقل الله تعالى :” قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ ۚ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ”.( الروم -٤٢)، وقال أيضاً :”قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ”.( الأنعام -١١)، وهل حقاً هم قادرون بحركاتهم البهلوانية التهريجية وإن كانت مثيرة للإشمئزاز والغثيان – على محو بصمات الله في الأرض؟! وهل حقاً أفل أو شارف على الأفول نجم الله الحي الذي لا يموت حتى يتبادرون إلى اغتيال آثار الله قبل اغتيال الله تعالى لاحقاً ؟!ألم يقل الله تعالى :”يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ “.( الصف -٨)، استغفر الله تعالى وأتوب إليه من سقم مخطط ولد ميتاً وما نراه اليوم إلا سكرات الموت له فقد بلغ التراقي، يقول الحق “كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ ، وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ ، وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ ، وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ ، إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ ، فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى ، وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ،ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى، أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى، ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى، أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى”.( القيامة – من -٢٦- حتى -٣٦).
كانوا في الجاهلية الأولى يغزون مضارب الأعداء ويسلبونها ويقتلون رجالها ويُسْبُون صبيانها ونسائها قربة إلى اللات والعزى،ثم يتقدمون بقتلى الآخرين قرابين لألهتم زلفاً دون حرج يذكر،ويسجدون لها زلفى، غير أن كوافر القوم من الجاهلية الأخيرة يفعلون فعلتهم قربة للجبت والطاغوت إلا أنهم يجدون الحرج كله في الإفصاح عن بواعث مكنونات أفعالهم ودوافعها من حيث الخوف على فشل مخططهم في مواقيت وأماكن معينة حرجةً قد تربك خطواتهم الشيطانية أو تحد من سرعة إنطلاقها، فينسبون أفعالهم إلى الطهر المطِهر الله تعالى ويتبجحون بدعواهم إنما فعلوها لتقربهم إلى الله تعالى كذباً وزوراً ! رغم أن بواطن نواياهم الخبيثة تترآى لبصائر المؤمنين جلية لكنهم من العمى بمكان بحيث لا يرون فضيحتهم مكشوفة للآخرين، كذلك لا ننسى أنهم من فسقهم لم ولن يكترثوا لنظرة الآخرين أي المؤمنين- متى استتب لهم الأمر- ، فأولئك مصبحين جثثاً هامدة ممزقة الأشلاء بحول إلههم المخلوق !! فغايتهم تسيرهم طاعة الجبت والطاغوت صم بكم عمي !! قال الحق وقوله الحق :” وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً ۚ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ “.( البقرة -١٧١).
للحديث بقية
يعرف الرجال بالحق – الجزء السابع عشر
كلمات الله التامات تناغي القلوب وتتحاور مع العقول ، وتَصْرَعُ الخبائث وتنقي الأفئدة ،وترفع الإنسانية ،وتفرض المثل، وتنتصر للفطرة السليمة ، ولهذا فإن لسماع آيات الله جلت قدرته تتلى على مسامع المؤمنين من المهاجرين والأنصار ليل نهار وقع الزلزال الحميدي الذي تتفاعل معها كياناتهم وفطرتهم السوية وعقولهم المتبصرة ،فتربيهم تربية دينية أخلاقية سامية ،وتغرس مثل عليا وقيم راسخة شامخة باقية ما بقي الليل والنهار ،يذكر الله سبحانه في محكم كتابه :” يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ “.( الحجرات -١٢)،وقال سبحانه :” يَا بُنَيَّ أَقِمْ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ، وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ، وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ”. (لقمان -من ١٧- إلى ١٩ )، وقال العلي الأعلى :” وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا ۗ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ”.( آل عمران – ١٠٣)، وتغرس ركائز إجتماعية إنسانية علمية وعملية ذات مرونة ونسيج يحاكي الفطرة السوية ويتماهى معها ويهيمن عليها في أداء توافقي مع الذات والمجتمع مباشرة تصب في خدمة الإنسانية جمعاء ،ألم يقل الله تعالى :” كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ، فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ “.( البقرة -من-١٥١-إلى-١٥٣)،كما قال الحق :” وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ “.( الروم -٢١)،كما قال تعالى :” وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ۖ وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۚ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ “.( العنكبوت-٨ )، يقول القادر المقتدر :” قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ “.( التوبة-٢٤).وقال العالم المدبر :”يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ “.( الحجرات -١٣)،وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: ” تعلموا القرآن فإنه أحسن الحديث، وتفقهوا فيه فإنه ربيع القلوب واستشفوا بنوره فإنه شفاء الصدور، وأحسنوا تلاوته فإنه أنفع القصص”،كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله: “إن أردتم عيش السعداء وموت الشهداء، والنجاة يوم الحسرة، والظل يوم الحرور، والهدى يوم الضلالة، فادرسوا القرآن، فإنه كلام الرحمن، وحرز من الشيطان ورجحان في الميزان”.
وخطب رسولية تجتث من صدورهم أدران عهد الجاهلية البائد وأحقاب صنمية بئيسة ،وتؤسس لمضامين ملكوتية ربانية مغيرة كياناتهم إلى نقيض ما درجوا عليه !ومَاحِيَةً الكثير من الترهات والسفاسف التي تبنوها سابقاً متدحرجين بعد لفظها إلى معادن الحقائق، وكانت خطب وفواعل الرسول الكريم ( ص) صمام أمان لضمان درء الفتن داخلية كانت أم خارجية عن المسلمين عامة ، والخطر المحدق بهم عظيم ويتعاظم ما دام من قاطني المدينة مَنْ لا زال الكفر سيده والنفاق رايته والتظاهر بخلاف ما يبطن عماده- ،فقد أكد علام الغيوب عداوة متأصلة في عصابة خفية مؤامراتهم على البسطاء من العامة! ذات أصابع وهيمنة شيطانية تظهر خلاف ما تبطن، وتحمل على ظهورهاأحقاداً وأضغان بحجم الجبال ضد الحق وأتباعه، يود أولئك سحق الدين وأتباعه، ولولا أن اليد العليا للدين وأتباعه مما يلجم أحلام يقظتهم لكان للحديث شأن آخر! غير أن سعيهم حثيث متواصل لهدم أركان الدين في سرية وكتمان مطلقين ،وينتظرون ساعة الصفر غنيمة لتنفيذ مخططهم ! وإلى أن تحين يتلبسون لبوس الدين ويتلونون بألبسة التقوى في مجالس التقوى والتي يحذرون فيها إذاعة عوراتهم الفاسقة الفاجرة وإسقاطها على مرأى ومسمع الناس ، في حين يتبارون في الكشف عن أقنعتهم الزائفة البغيضة في جحورهم ومجالسهم مجالس الكفر والنفاق! يحذر المولى منهم وينبه الأمة قبل الرسول (ص) بعظيم خطرهم فيقول سبحانه :” وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ۚ “.( الأنعام -١١٢) ، ويحسم القادر المقتدر الحكم قولاً واحداً لا رجعة فيه فيقول علام الغيوب :” هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ”.( المنافقون -٤)، فتلك الطغمة من المنافقين يترصدون بالإسلام والمسلمين الشر، وتواقة أنفسهم للحظات مناسبة لنفث سمومهم في الجسد الإسلامي ليفت عضد الإسلام في مقتل، ولهم صولات وجولات في تجيش الفتن ضد الإسلام وأهله على مدى التاريخ الإسلامي !ولقد ذكرهم الله تعالى في سورة المنافقين إذ قال :”إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ،اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ، ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ ، وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ “.( المنافقون -من ١-إلى ٥).
ولقد سجل التاريخ وصمة عار فاضحة لأولئك المنافقين المتأمرين والحالمين بتفتيت أواصر وملاحم الإسلام ،وتفريق المسلمين ووحدتهم، وتشتيت قواهم ببناء مسجد ضرار ودعوة الرسول الكريم للصلاة فيه لا حباً بالإسلام والرسول ،ولكن لإستخدام الرسول ( ص ) ساتراً خادعاً للأمة ليحلو لهم تثبيت مخططهم بالقضاء على الإسلام والأمة جمعاء على أمل أن يأتي مخلصهم ملك الروم فيقضي على عدوه وعدوهم الرسول ودينه، والذي لم يعلم بهم ولم يأتِ لنصرتهم لموت صاحبهم المرسل إليه ،هذا ولأن الله لهم بالمرصاد إذ يتنزل الوحي بأمر ربه على رسوله المصطفى ( ص ) ليحبط مخططهم ويخبره الغاية الخبيثة من دعوتهم له ، وليقي الله المسلمين شر فتنة دهماء ، يقول تعالى :”وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ، لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ “.(التوبة-١٠٧-١٠٨)
هؤلاء أصحاب الأقنعة البئيسة يحملون أسراباً على كهولهم تطمح بوضع قواهم في خدمة الجبت والطاغوت على أن يمكنهم من القضاء على الطهر والطهارة والنقاء المتجلي في دين الله ،ويرجع بهم القهقري إلى زمان الجبت والطاغوت ولتتلألأ فيها أصناماً ليست بالضرورة حجرية وخشبية وإنما أصناماً ذات طبيعة بشرية من فراعنة وطواغيت، أو جان أبالسة وشياطين !! تتعلق أرواحهم الميتة بها وتعتمد عليها ، وتمنيهم جنوحاً إلى كل منطلق يفتح أبواب دنيا ماجنة تباح فيها المحرمات وتسقط فيها القيم وتصرع فيها الضوابط وتنكل بشريعة السماء، وتسحق الجباه المؤمنة الساجدة لرب العالمين، ويقتل فيها الرسول ( ص ) وأهل بيته ( ع ) والأنبياء ( ع ) وأولياء الله الصالحين أحياء وأمواتاً، وتقطع فيها أجساد أولياء الله الصالحين ! قال الحق :” يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ ۖ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا”.( النساء -١٢٠ ) ، وقال أيضاً:”أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا “.( النساء -٦٠)، وقال سبحانه:”تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ “.( النحل -٦٣).
وهل في تحالفهم مع كل كافر من قريش وكل إعرابي مشرك في الجزيرة العربية ،وتحالفهم مع اليهود في المدينة وما جاورها إلا تصريح قراح ماجن عن ما تحمله نواياهم الخبيثة للإسلام وأهله ؟! يقول تعالى :”لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا ،مَلْعُونِينَ ۖ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا “.( الأحزاب -٦٠-٦١).
فمواقفهم الكثيرة المخزية والتي تحدث عنها كتاب الله تعالى تفضحهم وتعريهم، إلا أنه لا حياء وكرامة للمنافقين إخوان الشياطين ! فمنها تحريض المسلمين على التخلف عن أداء واجب الجهاد في سبيل الله، بتثبيطهم عما أمر الله ورسوله (ص) بحجة الحفاظ على حياتهم من القتل، وربما ادعوا أن بيوتهم عورة أو أنهم في شك من وقوع المواجهة مع العدو ، أو أنهم يخافون انتقام قريش منهم في أهليهم الذين لا زالوا في مكة المكرمة ،يفضحهم الله تعالى بقوله الحق :”وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا ۚ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا ۖ قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ ۗ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ ۚ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ “.( آل عمران -١٦٧) ، كما قال تعالى:” وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَاأَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا ۚ وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ ۖ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا “.( الأحزاب ١٣)، المهم تعددت الأسباب والنفاق واحد، يقول الظاهر الباطن :” وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ”.( التوبة -١٠١) ،وقال العلي الأعلى :”أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ “.( الحشر-١١)،
من أشد الفتن والعلل خطورة والتي واجهها المجتمع الإسلامي تلك التي تلبسها المنافقون رداء ظاهره الإيمان وباطنه كفراً ظلامياً دامساً لا يتكشف إلا لأمثالهم من الكفرة المردة ووراء الأبواب الموصدة عليهم فقط ، إنهم رعاع رعديدي الشواخص يخشون بواطن ما يخفون ، فالسرية في كتمان كفرهم وبغضهم لله ورسوله والمؤمنين وصمة عار على جباههم ذات دلالات انحطاطية الأخلاق ،ظلامية الفكر، وذات صبغة جبانة إذ تضطرب جوانحهم الكافرة من الله تعالى ومما يتنزل على نبيه ( ص ) من غيبيات الوحي الفاضح أمرهم، وتتصاعد أنفاسهم مرتبكة سريعة خوفاً مما يتنزل وتنزل به الوحي على سيد المرسلين (ص)فيفضحهم ويعريهم، ومع انكشاف المستور وبوزغ الحقيقة المرة تجدهم يصرون بوقاحة وخبث على خلاف ما عُرف وأُعلن للملأ !! فتراهم يصرون بوقاحة الكافر الزنديق وبشيطنة الأبالسة بأنهم المؤمنين حقاً !! وما الدعوى بأنهم المنافقون إلا فرية باطلة ما لها من أساس!! وما الحديث عما يدور في خفاء إجتماعاتهم من استهزاء بالمسلمين ودينهم محض افتراء!! ويا لها من فرية تكاد تتفطر منها السموات هي تلك التي توجه لهم أصابع الإتهام باعتمادهم المؤامرات للقضاء على الدين وتوابعه!! بل إنهم ذهبوا شأواً بعيداً في تحديهم وتصلفهم إذ يسوقون الأيمان المغلظة بأنهم كانوا وما زالوا جزءاً لا يتجزأ من النسيج الإسلامي ، يقول الله تعالى :” وَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ”.( التوبة -٥٦).
فالمجاهرة بالكفر والزندقة هي أبعد ما تكون عن نواياهم الجبانة !ولخوفهم من فقد مراكزهم ونفوذهم فيما لو افتضح أمرهم مالت قلوبهم المريضة إلى تربص الزمان والمكان لعلهما يتدبران لهما لحظة الإنقضاض على الجسد الإسلامي وإلى أن تتاح الفرصة فالأولى كتمان حقدهم وبغضهم للإسلام وتوابعه والتظاهر بخلاف ما يبطنون ” لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا”. ( الأنفال-٤٤) !!
وما برحوا يخططون للقضاء على الإسلام وأهله على حين غرة !ويتآمرون مع الشياطين من الإنس والجان وكل مقتدر على مد العون لهم في استهداف الإسلام ومجتمعه ونبيه على أي نحو ممكن وقادر على زعزعة أمن واستقرار هذه الدوله الحديثة النشأة ، ومجزول الشكر كل منافق قادر على بث نقيع سمومه بين عناصر المسلمين ، يؤكد الله تعالى نواياهم تلك بقوله :”لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ”.( التوبه -٤٧).
وهذا عبد الله بن أبي سلول كبير المنافقين والذي يزعم أنه أكثر المتضررين من هجرة النبي محمد ( ص ) إلى المدينة المنورة ،إذ كان يمني النفس بتنصيبه ملكاً ، فإذا بوجود النبي يفرط عقد تتويجه وتذهب أحلامه أدراج الرياح ! وإذا به يتظاهر بالإسلام وباطنه ينضح كفراً وزندقة وهو القائل:”يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ “.( المنافقون -٨) بعد هزيمة بني المصطلق الذين أعدوا العدة للإعتداء على المسلمين ولكن الله على نصرهم لقدير، فبعد الهزيمة النكراء لبني المصطلق، وتجمع المسلمين حول ماء من مياههم يقال له “المريسيع”، ازدحمت فئة من الأنصار مع أخرى من المهاجرين حول الماء ،واختلفتا فتنادت الفئتان كل تستنصر جماعتها، وتلاسنتا بالكلام الفئوي والقبلي الجاهلي، وبما لا يليق فكانت الفرصة مؤاتية لأبي سلول المنافق لزعزعة الأمور ولزرع فتنة ، وليخرج ضوائق جاثية على أنفاسه ولطالما ضاق بها صدره أمداً طويلاً! فقال: قد نافرونا، وكاثرونا في بلادنا، والله ما مثلنا ومثلهم إلا كما قال القائل (سمن كلبك يأكلك) أما والله لئن رجعنا إلى المدينة، ليخرجن الأعز منها الأذل. وكانت رسالته فاضحة نواياه وأمانيه المهينة !! فبلغ الرسول( ص ) قوله فاستدعاه للوقوف على حقيقة الأمر ولكن حاله كحال أي منافق لا يجد حرجاً في الكذب والنكران وإن كان الأمر مكشوفاً ومعلناً وكان للمشهد من الشهود ما لا يقوى على ردعهم أو مجابهتهم! ولكن “قيل للكذاب احلف قال جاء الفرج”! فها هو كبير المنافقين يقسم فيقول للنبي ( ص ): والذي أنزل عليك الكتاب ما قلت شيئاً من ذلك قط، وإن زيداً لكاذب. وقال من حضر من الأنصار :يا رسول الله شيخنا، وكبيرنا لا تصدق عليه كلام غلام من غلمان الأنصار، عسى أن يكون هذا الغلام وهم في حديثه.
إنها فتنة دارت رحاها فأفرزت فيما أفرزت تعصب الأنصار لسيدهم المنافق ومحاولتهم إنقاذ ماء وجهه على حساب الحقيقة ،لكن الله لا يحابي أحداً ولا ينصر القوي على الضعيف لمجده السابق ولا لمجده اللاحق ! وأن الله فاضحه لا ريب في ذلك، قال تعالى :” وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا هُزُوًا”.( الكهف -٥٦).
ولهذا نزلت الآية الكريمة تعريه وتفضحه وتدينه ،فقد قال علام الغيوب :” يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ۚ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ “.( المنافقون-٨)،فهل أقام رسول الله ( ص )الدنيا وما أقعدها ثأراً لكرامته وهو العزيز على ربه المطاع ثم أمين ؟! وهل أعطى رسول الله عبد الله بن عبد الله بن سلول وهو ابن كبير المنافقين الضوء الأخضر لقتل أبيه إذ جاء رسول الله(ص) يستأذنه فقال : يا رسول الله أنه قد بلغني أنك تريد قتل أبي فإن كنت لا بد فاعلاً فمرني به فأنا أحمل إليك رأسه، فو الله لقد علمت الخزرج ما كان بها رجل أبر بوالديه مني وأني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله فلا تدعني نفسي أن أنظر إلى قاتل عبد الله بن أبي أن يمشي في الناس فأقتله فأقتل مؤمناً بكافر فأدخل النار.
أم إن رسول الله رسول الرحمة أبى الا أن يوثق صلة الأرحام مرة أخرى بعد توثيقها من العلي الأعلى، ولا يسمح لحادثة ما مهما كانت خطورة مداها ، ومهما كان وقعها أليماً جارحاً قاسياً على نفسه الطاهرة أن تتدخل فتفسد عليه أولوية مهامه ومسئولياته التي تذوب قيمة وأهمية الثأر لكرامته أمامها، ونزولاً عند قول تعالى :”ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ”.( المؤمنون -٩٦). فلهذا السبب وغيره من الأسباب التي تحتم صيانة اللحمة الإسلامية وحقن دماء المسلمين وطمر دواعي الفتن ما أمكن ،سعى نبي الرحمة إلى سد منافذ الشيطان التي تكاد تتفتح وتتوسع بإحكام المغاليق في وجوه متحني الفرص ومستغلي الدسائس وقبيح الزلات المضمرة الشر لدين الله ورسوله والمؤمنين ،والمنتظرين اللحظة السانحة لنشر مفاسد المؤامرات لتقطيع المجتمع الإسلامي بتقطيع روابط الأرحام والرحمة والإخاء بين المسلمين ، وهل تعالى رسول الله على جراحه فدعا عبد الله بن عبد الله بن سلول للبر والرحمة بأبيه كبير المنافقين؟! إذ كان جوابه لابن عبد الله بن سلول : “بل ترفق به وتحسن صحبته ما بقي معنا”.وهل تشفى رسول الأخلاق الطهر الطاهر بعبد الله بن سلول الذي تحداه ابنه فمنعه من دخول المدينة حتى يأذن له عزيز الله وكريمه (ص) بالدخول أولاً؟! إذ قال له :والله لا تدخلها إلا بإذن رسول الله ولتعلمن اليوم من الأعز من الأذل.؟! فشكا عبد الله ابنه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ،فأرسل إليه أن خل عنه يدخل!وهنا وقف المؤمن عبد الله بن عبد الله بن سلول فقال لأبيه :أما إذا جاء أمر رسول الله صلى الله عليه وآله فنعم !
لله ذرك من نبي رحمة لا تنثي قامتك ولا هامتك ولا تزعزع المحن ولا نوازغ الشيطان من صلابة ومتانة أخلاقك وتسامحك ،وقلبك الكبير هذا الذي يحمل للأمة والإنسانية من أماني ونوايا صادقة لابد أن تنكشف وتتحقق وتبسط هيمنتها على البسيطة عاجلاً أم أجلاً رغم أنوف الحاقدين والمتربصين والمنافقين ،فسعداً لك من إنسان لا يبارى وصلى الله تعالى على روحك وبدنك الطاهرين وعلى آلك الأطهار .
فالمنافقون يتفننون في محاولاتهم العديدة الخبيثة ! فتارة هم يدعون لتجويع المؤمنين الفقراء بحجب الصدقات والمساعدات فتتنزل الحقيقة أن لله العزة والملك والحكم وبيده الأرزاق يؤتي من يشاء بغير حساب، يقول الرزاق الوهاب :” هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لٰا تُنْفِقُوا عَلىٰ مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللّٰهِ حَتّٰى يَنْفَضُّوا وَلِلّٰهِ خَزٰائِنُ السَّمٰاوٰاتِ وَالْأَرْضِ وَلٰكِنَّ الْمُنٰافِقِينَ لٰا يَفْقَهُونَ “. ( المنافقون -٧) ، ثم يصدون عن الصلاة واتْباع الرسول (ص) فتفجعهم الحقائق بأن الله الغني عن الكل وعن عباداتهم ،وخاصة عباد لا يعرفون الله خالقهم ! وأن العزة لله ورسوله والمؤمنون وأن الله بيده ملكوت الدنيا والآخرة و “مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ”.( الحج-٧٤ )، ألم يقل الله تعالى :وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ “( آل عمران-١٨٩).
وأن خيار الدين معلق في رقاب القوم حتى يلقونه فإما جنة وإما ناراً، ألم يقل الله :”كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ “.( المدثر-٣٨)، وما محمد إلا بشير ونذير وما هو ” عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ” .(الغاشية-٢٢ )، فيستجلب عليهم الأسواط والسيوف ليوردهم منابع الإيمان، فالإختيار هو المفصل والحَكَم ثم إلى الله ترجع الأمور ! قال مالك الملك :”وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا”.( الكهف -٢٩)
وتُفْجَعُ دنيانا دنيا المستضعفين من المؤمنين والعقلاء، ودنيا الكثير من الغافلين والمتغافلين، هي دنيانا البرئية مما يحصل في زمن الجاهلية الأخيرة بأُتُونِ شذاذ الأرض وكل منافق أفاق رجيم يبتغي عند الفراعنة رضاً ومقاماً ، ويتمسح عند سدنة الفسق الجديد “لا الدين المعوج “فما ذاك والله بدين !! وعموماً إن نفوسهم السقيمة وضمائرهم الميتة ساقتهم عند أعتاب من بيده النفوذ والسلطان الدنيوي ليستجلبوا راية الطاغوت التي نكصت ومزقت إرباً منذ أن ظهر نور الإسلام بحول من الله وقوته وبرسوله (ص) ورجال الله المخلصين ، وليحيوها من بعد دهور من الذل والعار وليرفعوها راية اعلو هبل!! تحت غطاء إلهي منظورة للعيان المؤمنة غير منظورة للآخرين ممن سولت لهم أنفسهم الساذجة تصديق الراية تلك!! رايتهم السوداء كنفوسهم البغيضة مزخرفيها بشعار حق يراد به باطل ألا وهو الشهادتين علامة التوحيد !
أو هم ممن لهم الرغبة بتصديق ما يرون إذعاناً لميراث أبائهم وأجدادهم الذي لم يُدَقَقْ في مضامينه وأخذوه على عوانيه ،واستسلموا له صم بكم عمي واعتبروه سلطاناً أميناً مؤتمنة أَمِنَةٌ نفوسهم بها ومعها حسب اعتقادهم !! ألم يقل الله تعالى فيهم :” بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ ،وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ “.( الزخرف-٢٢-٢٣)، ولكن كما أسلفنا جيء بهم بلباس أجدادهم من المنافقين الأوائل لباس ظاهره الإسلام وباطنه كفر نقاع ،ويتقنعون بأقنعة منفرة مقززة يخفون وراءها جباهاً كتب الله عليها كوافر !! ويستلون سيوف الغدر ويدعون أنها سيوف الحق !!يقتلون مخالفيهم بحجة الإرتداد عن الدين، والأَمَر مطالبتهم فئات أخرى الإستتباب والرجوع إلى الله عبر بوابة شيطانهم الرجيم،وعبر الإنضمام تحت لواء الجبت والطاغوت اللذين رضيا العمل في الخفاء وتحريك أولئك الدمى حول مستنقع نجس وشركي، ويخضعونهم لعبادة الشيطان يترعون ولا يكادون يفقهون ما وراء الأكمة الشيطانية !!غير أن المستنقع مشاع لهم ولأهوائهم ونزواتهم العاهرة المجنونة بل إن إلههم قد أطلق وأباح لهم كل محظور حرام بل رفع عنهم الغطاء الشرعي فلا حسيب ولا رقيب!! فالقتل والذبح غاية لكل مستهجن أفعالهم ! والسحل والتنكيل والمثلة واجبة على من يجرؤ برفع الصوت أو بإظهار الامتعاض من طقوس عباداتهم الشيطانية أو مسالكهم المبهمة البغيضة ! وتلك قرابينهم المقطوعة الرؤوس، الملوكة قلوب المجزأة الأعضاء، تشهد على ضحالة محركاتهم ،وانعدام منطقهم ،وتبلد عقولهم وصغار أحجامهم ، وإجرامية دوافعهم، وقسوة دينهم !! أما ربهم الوحش ذاك الذي أقامهم قيمون على الدنيا حسب دعواهم فأقاموا المحاكم الشرعية – ولست أدري أأضحك أم أبكي على مثل تلك التسمية ؟!-أقاموا محاكم لمن لا يرضخ لهم !ولمن لا يعاضدهم !ولمن يكفرهم !ولمن لا يقتل ضميره الحي فيأخذهم بالأحضان ويستتيب مما كان فيه من الغي !! ويسلم الأمر لهم ويخضع لإلههم المخلوق المسخ ! ويقدم فروض الطاعة لهم وله! فيتحول بإشارة منهم من إنسان عاقل إلى بهيمة مفترسة كاسرة متلذذة بمآسي الآخرين !!
أيها الحمقى دون الأنعام أنتم ! ألم يقل الله تعالى فيكم :” أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا”.( الفرقان -٤٤) ” فمن ذا الذي يسلم لكم مصيره ومصير أجياله القادمة على طبق من ذهب فيخرج من النور إلى ظلمات جبتكم ؟! ومن ذا الذي يقايضكم ربه الرحمن الرحيم بوحشكم الحاقد الجلف الكاسر المتحجر قلبه ،الآفاق الكافر ربه !! إلا أن يكون فاقد عقله خاسر دينه ومأواه أولاً وأخيراً جنهم خالداً فيها كما هو الحال بالنسبة لكم ؟! فربكم الملعون المطرود -منذ خلافة آدم ( ع ) للأرض – من رحمة خالق السموات والأرض لا يليق إلا بأمثالكم من شياطين الإنس والجان ، وما دعواكم بتنصيبكم سدنة الدين وقوامه إلا أضحوكة لا تنطلي على الطفل الرضيع!! فكيف الحال بالمكلف المؤمن بربه ؟! وما حسابكم للآخرين في الدنيا إلا حسابكم في الآخرة وتموضعكم في نار جهنم ؟! وما ضرباتكم بيد من حديد للمظلومين والمستضعفين والمتمسكين بدينهم إلا ضربات وقبضات الملائكة الغلاظ -الذين لا يعصون لله أمراً – تنهال عليكم يوم الدين؟! وما ذبحكم البشرية على الهوية والمذهبية إلا محض اختياركم لميتتكم وقصاصكم والتنكيل بكم في لحظات الحق في قعور سقر، وما استباحتكم المحرمة من الدماء والأعراض وقنوات زكواتكم إلى جبتكم بنوكاً مسروقة ودوراً مدكوكة بعد سلبها ونهبها وإفراغها من الذهب الرنان والأموال النفيسة إلا ظروفاً مشددة وأكياساً محزومة تكوى بها جباهكم ،وفنوناً من العذاب لو اطلعتم عليها ما فعلتم مما جنت أيديكم وجوارحكم منها شيئاً ولنظممتم إلى قوافل المستضعفين، وكنتم بما يفعل بكم أسعد، ولكن هيهات لمن باع ربه ودينه أن يطلع اليوم على عين الحقيقة !!فاسعوا سعيكم فما أقول لكم إلا قول سيدة الهاشمين زينب ( ع ) ليزيد مورثكم ميراثه الحنظل النتن :”أظننتَ يا يزيدُ أنّك حين أخذتَ علينا أقطارَ الأرض ، وضَيّقتَ علينا آفاقَ السماء ، فأصبَحنا لك في إسارِ الذلّ .. أنّ بنا من اللهِ هَواناً وعليكَ منه كرامةً وامتناناً ، وأنّ ذلك لِعِظَم خَطرِك وجلالةِ قَدْرك ، فشَمَختَ بأنفِك ، ونَظَرت في عِطفِك! … فمَهْلاً مَهلاً ، لا تَطِش جَهلاً !
أنَسِيتَ قولَ الله عزّ وجلّ : ” وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ” ؟! .
أمِنَ العدل ـ يا ابنَ الطُلقاء ـ تَخديرُكَ حرائرَكَ وإماءَكَ ، وسَوقُكَ بناتِ رسولِ الله صلّى الله عليه وآله ، يَحدوا بهنّ الأعداءُ من بلدٍ إلى بلد ، ويَستَشرِفُهنَّ أهلُ المَناقِل ، ويُبرَزنَ لأهل المَناهِل ، ويَتَصفّحُ وُجوهَهُنَّ القريبُ والبعيد … عُتُوّاً منك على الله وجُحوداً لرسولِ الله صلّى الله عليه وآله ، ودَفعاً لِما جاء به من عند الله ..
لَعَمري لقد نَكأتَ القَرحةَ ، واستأصلتَ الشَأْفة ، بإراقتكَ دمَ سيّدِ شبابِ أهل الجنّة ، وابنِ يَعسوبِ العرب ، وشمسِ آل أبي طالب ، وهَتَفْتَ بأشياخِك ، وتَقَرّبتَ بدمهِ إلى الكفَرة من أسلافِكَ . . . وما فَرَيْتَ إلاّ جِلدَك ، وما جَزَزْتَ إلاّ لحمَك ، وَسَتَرِدُ على رسول الله صلّى الله عليه وآله بما تحمَّلتَ مِن دم ذُرّيّتِه ، وانتهكتَ من حُرمتِه ، وسَفَكتَ من دماء عِترته ولُحمته . . . فلا يَستفزّنّكَ الفرحُ بقتلِهم ، “وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ، فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ “، وحَسْبُك بالله وليّاً وحاكماً ، وبرسولِ الله صلّى الله عليه وآله خَصيماً ، وبجبرئيل ظهيراً .
ولئن جَرَّتْ عَلَيَّ الدَّواهي مُخاطبتَك ، إنّي لأستصغِرُ قَدْرَكَ ، وأستَعظِمُ تَقريَعكَ ، وأستَكِبرُ تَوبيخَك ، لكنّ العيونَ عَبرى ، والصدور حَرّى … فكِدْ كَيْدكَ واسْعَ سَعْيَكَ وناصِبْ جُهْدَكَ ، فواللهِ لا تَمحْو ذِكرَنا ، ولا تُميتُ وَحيَنا ، ولا تُدرِكُ أمَدَنا ، ولا تُرحِضُ عنك عارَها ؛ وهل رَأيُك إلاّ فَنَد ، وأيّامُك إلاّ عَدَد ، وجَمْعُك إلاّ بَدَد ، يومَ يُنادي المنادِ : أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ “.
للحديث بقية
يعرف الرجال بالحق – الجزء السادس عشر
سلام الله على هذا القائد المناضل المغوار الرباني (ص) الذي بث تعاليم محصنة الإسلام والمسلمين من سم نقيع يصعب التخلص منه ونتائجه كارثية على الأمة إذا ما سرى مفعوله في المولود المتنامي سريعاً- على غير طبيعة غيره من المواليد – ،رغم علل وإصابات خارجية المصدر عدوانية النوايا حاقدة على تلك الأمة المثالية ،فقد عمد الرسول ( ص ) بتكليف إلهي مسدد الخطى على تكذيب الشائعات الميدانية حال بثها عبر بوابات كفرية أو فاسقة منافقة مضللة !غايتها إشاعة البلبلة والفوضى بين المسلمين لإحكام وإطباق الطوق عليهم لتفتيتهم وتشكيكهم في دينهم وفي مصداقية السماء ورسولها! ولبث الوهن في الجسد النضالي واللحمة المجتمعية ولتقطيع أوصال الرحمة والمودة والترابط المتنامية في هذه الدويلة الهجينة – بالنسبة للكفرة المردة – ! القائمة على نقض أساسات التمييز العنصري والقبلي والوثني القائم بين القبائل القرشية والعربية في جزيرة العرب وسلب الفراعنة سطواتهم وصلياتهم ! ألم يقل الله تعالى فيهم :”إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ “.( الأنفال -٣٦)، ولإشاعة فوضى خلاقة بين المسلمين فيتناحر المسلم وأخيه المسلم أو أخيه الإنسان أياً كانت معتقداته ،في معركة محسومة النوائب والنوازل والبلايا لصالح الجبت والطاغوت والعدو الكافر والمنافق ،فيتراجع رمز الأمة بدينها ونبيها وديدنها القهقري وتعود إلى جاهلية جهلاء لا تبقي ولا تذر !!قال علام الغيوب: ” إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ”.(المائدة- ٩١) ، وكما قال العلي الأعلى :” يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ “.( البقرة-٢٠٨)، وقال أيضاً :”الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ ۖ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ “.( البقرة -٢٦٨).
ولقد عمد ابن قميئة الحارثي يوم أحد إلى إشاعة خبر مقتل النبي على يديه البغيضتين وهو ينعق : ” قتل محمد! قتل محمد ! مما أشاع الهلع والفزع بين عموم المسلمين فولوا على أعقابهم فارين وأفئدتهم هواء قد ملئت رعباً وهلعاً وخوفاً على حياتهم الدنيا بعد أن بهتت الآخرة في نواظرهم في لحظة مغنم للشيطان وتوابعه ! ناسين أو متناسين وعود الله للشهداء جنات عرضها السموات والأرض والجائزة الكبرى رضوان الله تعالى وحياة خالدة لا موت فيها !ألم يقل الله تعالى :” إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ”.( آل عمران -١٥٣)،
غير أن حكمة الرسول وسرعة تصرفه في هكذا موقف وأد الفتنة في مهدها في مراحل عصيبة متعددة مر بها الإسلام والمسلمون في بلاء هو جَدُّ عظيم ! ففي أحد وفيها خالف الكثير من المسلمين أوامر النبي مما تسبب بهزيمة نكراء للمسلمين من بعد نصرهم في المرحلة الأولى منها ، يقول تعالى :” وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ “.( آل عمران -١٢١)، وبغض النظر عن أسباب عصيانهم لها! يستوي في ذلك مخالفتهم للرسول ( ص ) طمعاً في غنيمة أو ترك مواقعهم بناء على إشاعة وبلبلة أثيرت من قبل المنافقين والكفار وهروبهم في الفيافي والبراري ! ففي إشاعة مقتل النبي ( ص ) على لسان ابن قميئة ( لعنه الله ) وقعت الصاعقة !! فولى المسلمون على أعقابهم لا يسمعون صوت النبي وهو يكذب الإشاعة!! وثباته مقاتلاً ومن معه بضعة من المؤمنين الذين اشتروا الآخرة ، واستماتتهم دفاعاً عن الرسول( ص ) كان مهنداً حاسماً ورسالة باترة للإشاعات ولنوايا ساقطة لقتل رسول الرحمة (ص )، وصحيح أن المسلمين في تلك الغزوة ولوا الأدبار وتخاذلوا عن نصرة النبي( ص)، ولكنه الطاهر العلم رسول الرحمة ومعلم الإنسانية التسامح والعفو عند المقدرة رجع إلى المدينة غير محاسب للفارين ولا معاتب لهم موكلهم إلى ظاهر إسلامهم !ومشرعاً أبواب التوبة والإنابة للراغبين والعائدين إلى حظيرة الرحمن ، قال العفو الغفور :” ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (“.( التوبة -٢٧)، يقول تعالى :” لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ”.( التوبة -١٢٨).
{وفي الإرشاد١/٨٩:” لما انهزم الناس عن النبي(صلى الله عليه وآله ) في يوم أحد وثبت أمير المؤمنين( عليه السلام ) فقال له: ما لك لاتذهب مع القوم؟فقال أمير المؤمنين: أذهب وأدعك يا رسول الله! والله لا برحت حتى أقتل ، أو ينجز الله لك ما وعدك من النصر . فقال له النبي(صلى الله عليه وآله ) : أبشر يا علي ، فإن الله منجز وعده ، ولن ينالوا منا مثلها أبداً” .}
{ وفي تفسير القمي١/١١٥:”ولم يبق مع رسول الله(صلى الله عليه وآله ) إلا أبو دجانة الأنصاري سماك بن خرشة وأمير المؤمنين( عليه السلام ) ، فكلما حملت طائفة على رسول الله(صلى الله عليه وآله ) استقبلهم فيدفعهم عن رسول الله ويقتلهم ، حتى انقطع سيفه .
وبقيت مع رسول الله(صلى الله عليه وآله ) نسيبة بنت كعب وكانت تخرج مع رسول الله(صلى الله عليه وآله ) في غزواته تداوي الجرحى ، وكان ابنها معها فأراد أن ينهزم ويتراجع ، فحملت عليه فقالت: يا بني إلى أين تفر عن الله وعن رسوله؟! فردته فحمل عليه رجل فقتله ، فأخذت سيف ابنها فحملت على الرجل فضربته على فخذه فقتلته ! فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله ) : بارك الله عليك يا نسيبة ، وكانت تقي رسول الله(صلى الله عليه وآله ) بصدرها وثدييها ويديها ، حتى أصابتها جراحات كثيرة !
وحمل ابن قميئة على رسول الله(صلى الله عليه وآله ) فقال: أروني محمداً لا نجوتُ إن نجا ! فضربه على حبل عاتقه ، ونادى قتلت محمداً واللات والعزى !
ونظر رسول الله(صلى الله عليه وآله ) إلى رجل من المهاجرين قد ألقى ترسه خلف ظهره وهو في الهزيمة فناداه: يا صاحب الترس ألق ترسك ، ومُرَّ إلى النار ! فرمى بترسه فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله ) : يا نسيبة خذي الترس فأخذت الترس ، وكانت تقاتل المشركين فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله ) : لَمَقَامُ نسيبة أفضل من مقام فلان وفلان !
فلما انقطع سيف أمير المؤمنين( عليه السلام ) جاء إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله ) فقال: يا رسول الله إن الرجل يقاتل بالسلاح وقد انقطع سيفي ! فدفع إليه رسول الله(صلى الله عليه وآله ) سيفه ذا الفقار فقال: قاتل بهذا ، ولم يكن يحمل على رسول الله(صلى الله عليه وآله ) أحد إلا يستقبله أمير المؤمنين( عليه السلام ) ، فإذا رأوه رجعوا ! فانحاز رسول الله(صلى الله عليه وآله ) إلى ناحية أحُد فوقف.
وكان القتال من وجه واحد وقد انهزم أصحابه(صلى الله عليه وآله ) فلم يزل أمير المؤمنين( عليه السلام ) يقاتلهم حتى أصابه في وجهه ورأسه وصدره وبطنه ويديه ورجليه تسعون جراحة فتحاموه ! وسمعوا منادياً ينادي من السماء: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي فنزل جبرئيل على رسول الله(صلى الله عليه وآله ) فقال: هذه والله المواساة يا محمد ! فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله ) : لأني منه وهو مني ، وقال جبرئيل: وأنا منكما…
وتراجعت الناس فصارت قريش على الجبل ، فقال أبو سفيان وهو على الجبل: أعلُ هبل ! فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله ) لأمير المؤمنين قل له: الله أعلى وأجل. فقال: يا علي إنه قد أنعم علينا ! فقال علي( عليه السلام ) : بل الله أنعم علينا، ثم قال أبو سفيان: يا علي أسألك باللات والعزى هل قتل محمد ؟ فقال له أمير المؤمنين( عليه السلام ) : لعنك الله ولعن الله اللات والعزى معك ! والله ما قتل محمد(صلى الله عليه وآله ) وهو يسمع كلامك ! فقال: أنت أصدق ، لعن الله ابن قميئه ، زعم أنه قتل محمداً” .}
ولما شفي غليل الكفرة من دماء المسلمين وانتقموا لقتلاهم في بدر، واستيأسوا من قتل النبي طه ( ص )،وقبل لملمة جحافلهم المجرمة صعد ملعون السموات والأرض أبو سفيان الجبل ونعق : اعلو هبل ! فأجابه علي( عليه السلام ) بأمر النبي (ص ) : “الله أعلى وأجل”. فأجابه أبو سفيان: لنا العزَّى ولا عزى لكم . فأجابه علي(ص ) نزولاً عندأمر النبي(ص ) أيضاً : “الله مولانا ولا مولى لكم” ! ونادى أبو سفيان يسأله :هل قتل النبي(ص ) ؟ فأجابه :”إنه حيٌّ سالم يسمع صوتك “!
وما منع الرسول (ص) من إقامة عقوبة الفرار من الزحف ومن ساحة القتال ،وتأنيب المسلمين إلا العفو الإلهي ونشر سياسة التسامح وثقافة أبواب التوبة مشرعة للتائبين والنادمين ومن أراد إصلاح ذات البين ،وحتى لا يقول أحدهم يوماً أن محمداً ( ص ) قتل أصحابه ! قال تعالى :”لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ “.( التوبة -١٢٨).وقال علام الغيوب :”قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا ۚ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ”.( الأنعام -١٠٤). وقال الحكم العدل :” إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ “.(آل عمران -٨٩).
وفي أحد قتل وحشي عبد جبير بن مطعم،أسد الله وأسد رسوله حمزة عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلى حمزة منا السلام ، ولاكت آكلت الأكباد كبد حمزة بعد أن بقر وحشي جسده الطاهر واقتطع كبده هدية لهند لعنها الله تعالى،غير أن الله ليأبى أن يحتوي جوفها النجس كبد حمزة الطاهر فلفظته، ومثلت بجسده واتخذت من بعض أعضائه قلادة !فتمثل بها نساء قريش قدوة سيئة وصالوا على أجساد شهداء المسلمين تقطيعاً ثم اتخذن منها قلائد، كما عمد أبي سفيان لضرب فم حمزة الطاهر بنبله تشفياً منه بقوله : دق يا عقق ( أي يا عاق )!فقال حليس بن علقمة: “يا معشر بني كنانة انظروا إلى من يزعم أنه سيد قريش ما يصنع بابن عمه الذي قد صار لحماً”.ولولا خوفه من أن يعير بين العربان ما انتهى !!إذ التمثيل بالميت عار على فاعله في أعراف الجزيرة العربية آنذاك! ولما رأى الرسول(ص ) أفعال كبير زنادقة بني أمية وامرأته بحمزة ( ع ) قال( ص ):” والله ما وقفت موقفاً قط أغيظ علي من هذا المكان لأن امكنني الله من قريش لأُمثلن بسبعين رجلاً منهم فنزل عليه جبرئيل عليه السلام ،فقال: “وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ”.( النحل-١٢٦). ،فقال رسول الله صلى عليه وآله :” بل أصبر”.
ومنذ ذاك التاريخ حرم الشارع الإسلامي الُمثلة بالموتى،ولقد قال رسول الله ( ص ):” إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور”،كماأوصى الإمام علي ( ع)وهو على فراش الموت يحتضر ألماً من ضربة سيف غدر لعبد الرحمن بن ملجم ( عليه لعائن الله والملائكة والرسل والمؤمنين) وقد جيء إليه بقدح فيه لبن فشرب منه ثم قال : “احملوا هذا إلى أسيركم وارفقوا به، وطيبوا طعامه وشرابه، فإن أنا عشت فأنا أولى به ،وأن مت فأضربوه ضربة بضربة ولا تمثلوا به، فإني سمعت حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: “إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور”.
ولكن ما بال أقوام يدَّعون الإسلام ديناً يمثلون بأجساد بريئة طاهرة مسلمة أو كتابية أو على دين آخر ولكنها غير محاربة للإسلام وأهله! ولا أثر شرعي يُرتب على ماهية دينهم أو مذهبهم أو طائفتهم فيما يتعلق بالمثلة ،فبالمطلق المثلة حرام في الميت بل المثلة حرام ولو بالكلب العقور، فلقد قام أولئك الأوباش القتلة سدنة الدين المحرف الجديد والمعتق في آن واحدٍ! معتق في يد إلههم منذ أن رفض السجود لأدم وآلَ على نفسه ليصرفن بني آدم عن عبادة الله بل ليحولنهم إلى ملاحدة جاحدين نعم الله عليهم، قساة غلاظ صم بكم عمي لا يفقهون حديثاً، يقول تعالى :” فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا “.( النساء -٧٨)، وما العقل بينهم إلا سراب ونقيعة مرغوب في نقيضه !!ولا يعرفون للطهارة والنقاء والرحمة سبيلاً ! فأتباعه الملاحدة الرافعين راية التوحيد بهتاناً وزراً ولأهداف تكتيكية وتوظيفية لا تخفى على العقلاء من المؤمنين -قد نتحدث عنها لاحقاً- ولكن قتلهم الأبرياء الآمنين في عقر ديارهم بدم بارد ويد ثابتة على الباطل وقلب لا يلين، ثم قيامهم بالتمثيل بهم وصلبهم لإثارة الفتن وزعزعة أركان الدين وأسس الإيمان ،ونشر الرعب بين من لا يعترف بهم ولا يقر لهم بالخضوع ، ولا يبيع دينه بدنياهم، ولا يشاركهم الغي والكفر والإلحاد، ولا يوغل يديه بدماء الأبرياء ولا يغمس قُوتِهِ بدم الأبرياء ،ففي ذاك مدعاة لهم للتنكيل بكل مترفع لا يستهويه مسلكهم ولا يحبذ الإنضمام لهم !ويتعفف ويترفع ويرفع راية الخوف من يوم كان شره مستطيراً، فلا يجدون غضاضة في التمثيل به وبالآخرين ،وبصلبه كما يصلب الآخرين، وبسحله والآخرين في مشاهد علنية!! جابرين نواظر الناس المشاركة في تلكمو المناظر لغرض سحق ما بقي من ممانعاتهم وتصلب إراداتهم وإطفاء وهج ما تمسكوا به من بقايا معتقداتهم وإيمانهم للتسليم لهم إما استسلاماً وضعفاً وإما قهراً ومضضاً ، وإما قنوطاً من رحمة مسعفة تتداركهم!!
وسؤال كل عاقل قد يحاول فهم مسلكهم ! هل هذا من الإسلام في شيء ؟ هل تندرج المثلة بالأبرياء تحت راية التوحيد التي يرفعونها ؟ وهل أوحى الله لهم ما لم يوح إلى رسله ؟! وأباح لهم مالم يبح لرجالاته العظام ؟! وهل رسول الله ( ص ) بشرهم باليد الطِلقَة في تصحيح اعوجاج القوم يكون من مستلزماتها وأدواتها الشرعية القتل والتمثيل والتنكيل والسحل ؟! سؤال لا ينتظر جواب !!
ثم أن الرسول ( ص ) وأد الفتنة في مهدها مرة أخرى يوم جاء الوليد بن عقبة بن أبي معيط والذي بعثه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) في صدقات بني المصطلق، فرجع إلى الرسول مدعياً أنه لاذ برسول الله فاراً من بني المصطلق الذين ما أن سمعوا ببعثته إليهم خرجوا يبتغون قتله حسب دعواه !وذاك راجع إلى بغض وكراهية دفينين منهم له ومنه لهم !!!فهل كان صادقاً في نواياه تلك أم إن في الأكمة ما فيها؟! بريء النوايا هو الوليد؟!أم هو الحقد الغابر حركه في لحظة طيش كادت تطيح بالأخضر واليابس ؟! وكان من شأن دعواه تلك إثارة فوضى عارمة وفتنة متأججة ومساع لقتال بني المصطلق! غير أن النور الإنساني الكامل (ص ) رفض منطقهم وأمهلهم حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود بالوقوف على الحقيقة والغاية التي خرج من أجلها بني المصطلق، حتى لا تنزلق الأمة في أتون حرب طاحنة يُسحق فيها الأبرياء ويُيتم الأطفال وتثكل الامهات وترمل النسوة دون طائل يذكر ،وبحكمته المعهودة وصبره وتأنيه(ص) انقشعت الغمة وبانت الحقيقة، فإذا بني المصطلق براء مما ادعاه الوليد وإذا بخروجهم مظهر للفرح وترشيد لخضوعهم لنواميس الله وأحكامه وتعبيراً عن إجلالهم لمبعوث النبي محمد (ص)، فأين الثرى من الثريا ؟! وأين سنا موقف بني المصطلق الإيماني من ظلامية إدعاء فاسق؟! كادت به انسياق الأمة إلى ما لا يحمد عقباه !! لولا حكمة الرسول الأعظم( ص ) وتأنيه وصبره ولجامه المحكم لمجريات الحدث وبصيرته الثاقبة التي تمكنت من رؤية ما وراء دعوى مغرضة متسرعة ! يقول الله العدل :”يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ”.( الحجرات -٦).
{جاء في تحف العقول -٣٠[ في خطبة الوداع لرسول الله ( ص ) -نقتطع منها ما يخدم حديثنا هذا -:”
-أيها الناس: إن دماءكم وأعراضكم عليكم حرام ، إلى أن تلقوا ربكم ، كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا . ألا هل بلغت ؟ اللهم اشهد . فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها . وإن ربا الجاهلية موضوع …
- أيها الناس: إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم هذه ، ولكنه قد رضي بأن يطاع فيما سوى ذلك ، فيما تحتقرون من أعمالكم .
- أيها الناس: إن لنسائكم عليكم حقاً ، ولكم عليهن حقاً ، حقكم عليهن أن لا يوطئن أحداً فرشكم ، ولا يدخلن أحداً تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم، وألا يأتين بفاحشة ، فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تعضلوهن وتهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضرباً غير مبرح ، فإذا انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف . أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكتاب الله، فاتقوا الله في النساء ، واستوصوا بهن خيراً .
-أيها الناس: إنما المؤمنون إخوة ، ولا يحل لمؤمن مال أخيه إلا عن طيب نفس منه . ألا هل بلغت ؟ اللهم اشهد ، فلا ترجعن كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ، فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي . ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد .
-أيها الناس: إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب ، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ . وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم . قال: فليبلغ الشاهد الغائب “.]
{هذا ولقد ورد في مصادر شتى منها :
-صحيح بخاري:٥/١٢٦: عن أبي بكرة عن النبي(ص) قال: (الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السموات والأرض ، السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم ، ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان . أي شهر هذا ؟ قلنا: الله ورسوله أعلم . فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال: أليس ذا الحجة ؟ قلنا: بلى . قال: فأي بلد هذا ؟ قلنا: الله ورسوله أعلم ، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال: أليس البلدة ؟قلنا: بلى. قال: فأي يوم هذا ؟ قلنا: الله ورسوله أعلم ، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه ! قال: أليس يوم النحر ؟ قلنا: بلى . قال: فإن دماءكم وأموالكم، قال محمد وأحسبه قال وأعراضكم، عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا ، وستلقون ربكم فسيسألكم عن أعمالكم . ألا فلا ترجعوا بعدي ضلالاً يضرب بعضكم رقاب بعض. ألا ليبلغ الشاهد الغائب ، فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه”.
-وفي ابن ماجه٢/١٠١٦-: عن ابن مسعود قال: قال رسول الله(ص)وهو على ناقته المخضرمة بعرفات… ( ألا وإني مستنقذ أناساً ومستنقَذٌ مني أناس فأقول: يا رب أصيحابي ! فيقول: إنك لاتدري ما أحدثوا بعدك)! وفي سنن ابن ماجة:٢/١٣٠٠: باب لاترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض… استنصت الناس فقال: لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض . عن ابن عمر أن رسول الله(ص)قال: ويحكم أو ويلكم لاترجعوا بعدي كفاراً..”.
-وفي مجمع الزوائد:٣/٢٦٥: عن الرقاشي قال: (كنت آخذاً بزمام ناقة رسول الله ( ص) في وسط أيام التشريق أذود عنه الناس فقال… وفيه: (ألا لاترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض…”. ( ولقد ورد في الكثير من مصادر المسلمين غير أننا نكتفي بما أوردنا لقيام الحجة على المشككين بالأمر ).
فإذا كانت من أواخر وصايا رسول الله ( ص ) تعاهد الأمة على ما يصلحها ويكفل عزتها وأمانها ووحدتها ،فما بال مجاميع تنعق بخلاف وصاياه وتحرض الأمة جهاراً على مخالفة قراح لتعاليم السماء وكسر العروة الوثقى التي تلحم روابط الامة فتجعلها عصية على المتربصين بها ؟!
فها نحن اليوم نفجع بمشاهد سافرة فاضحة للمنافقين والمنافقات الذين واللواتي ينعقون صباحاً ومساء عبر أبواق إعلامية وإلكترونية ووسائل أخرى، باثين نقيع سمومهم شائعات مغرضة فاسقة من وكر إلههم- الملعون المطرود من رحمة الله “قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ ، وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ”.( ص-٧٧-٧٨-) بين عناصر المجتمع لضمان إصابة المجتمع في مقتل ! فتسود على وقع سمومهم الفرقة مما يؤدي إلى التقاتل والتناحر بين مكونات المجتمع مسلميها ومسيحييها وطوائف أخرى ناظرين إلى أعراقهم وأصولهم ودياناتهم ومستغلين ضعاف النفوس وقليلي الإيمان وكثيري الأطماع ومهيجين الغرائز والعصبيات القبلية والعنصرية التي حاربها رسول الله ( ص )، وإذا بهم يحيونها خدمة لمولاهم الجبت والطاغوت ضاربين عرض الحائط تعاليم السماء التي تضع الناس في بوتقة عدل مساوية الرؤوس جميعها فلا امتيازات لهم ولا تفاضل بينهم في الحياة الدنيا مما كفل أواصل عيش مشترك قوية ومتينة بين المنتسبين للأديان المختلفة، والذين تعايشوا بسلام ووئام قرون عديدة تحت مظلة الدولة الإسلامية على نحو متناغم منسجم في وحدة وكينونة ذابت فيها الإختلافات والفروق، فروابطهم الإنسانية والعرفية جامعتهم أكثر من اختلافاتهم العقائدية والشخصية المنضبطة بأحكام الشرع وتحت شعار احترام كافة الأديان وعدم التعدي عليها ولا على أتباعها، التي لم تكن يوماً مصدر قلق يُدق لها ناقوس الخطر، بل إن مبدأ العيش المشترك كان وليجة لصفو العيش وأخوة مترابطة متماسكة .
وللآخرة شأن آخر فالدولة والأرض للناس يتقاسمونها حسب العدل الإلهي وحسب شريعة ذات ضوابط موضحة تفاصيلها غير خافية على كل راشد عاقل -ولكن لا محل لها من النقاش في موضوعنا هذا – الدولة والأرض للناس والدين ومفاعيله وتطبيقاته لله ” الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ “.( البقرة -٢٥٥)، والذي أحصى كل شيء عدداً والذي جل شأنه وضع ضوابط ومعايير لا يجوز الخروج عليها بل هي مقيدة المسلمين خاصة ومن معهم في دولة الإسلام-بالتبعية – بتحكيم ومراعاة الأوضاع الإنسانية والإجتماعية ،وضابطة مقاليد حسن الجوار وحافظة حقوق المسلمين وغيرهم من إخوتهم في الإنسانية فلا إكراه في الدين ولا تعد ولا تجاوز ولا إضرار ولا تفريط قيد أنملة في رعاية مصالح الجميع على حد سواء ، دون أن يخل ذاك بمفهوم الحساب والعقاب المتفرد به الله تعالى دون سائر خلقه، ثم إن الدين لله هو المحاسب وهو المعاقب فلا يحق لأحدهم محاكمة الآخرين أو تكفيرهم وعليهم الإنشغال بخطاياهم وذنوبهم وتصحيح ما امكن تصحيحه بناء على المعايير الربانية لا هوى النفس وما تجنح إليه من خزعبلات شيطانية سقيمة !
لكن الوحوش الضارية والتي تسعى لتنفيذ أجندة صهيوتكفيرية لا يمكنها السكوت بعد اليوم على صفو العيش المشترك ، واحترام المذاهب والأديان والإحتكام أولاً وأخيراً للقول الفصل قول الحق! ولكن الحرب الشعواء المعلنيها على الإسلام الحق وربه ورسوله (ص ) تحتم مساعيهم المستميتة اتخاذ كافة الوسائل والتدابير اللازمة لنصرهم المزعوم بإحراق النسل والحرث والأرض والعرض فيلجئون إلى أخبارهم المغلوطة والكاذبة للتفريق بين الإخوة المسلمين على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم ،وكذلك تتجنى كوابيسهم المريضة فتطمح إلى الفتك بأوشاج المجتمع فتحرض الجميع على كافة من حولهم ،فالعدو في شائعاتهم المغرضة هو المحيط الذي عاشوا في رحابه سابقاً آمنين مطمئنين ! معتمدين دائماً سياسة الغاية تبرر الوسيلة ، وفرق تسد!!
وما برح طلاب الشقاق والنفاق ينشرون الشائعات الواحدة تلو الأخرى لإفشال عوامل الوحدة في المجتمع الإسلامي ،وتقطيع أوصال الإتفاق في المجتمع الإنساني بين الجوار المتآلف رغم إختلاف دياناتهم ومذاهبهم ،وهذا ما لا يرضي الطغمة من المنافقين والمتأمرين الذين يقتاتون على الفرقة بين الناس ، وللتمكن من إحكام السيطرة على فئات المجتمع المختلفة وعقولهم استخدم الدين شماعة لإثارة النعرات الطائفية والمذهبية فيقدم هؤلاء على بث أخبار ومعلومات دينية مغلوطة يدعون أنها معتقدات كافرة مكفرة لرموز وشخصيات دينية تمثل أهمية قصوى لأتباع مذهب ما فتنسبها إلى المذهب الآخر باعتبارها إهانات مقصودة متعمدة من أتباع ذاك المذهب الذي يلبس لباس الحمل الوديع فيظهرون خلاف ما يبطنون !!، كما إنها تكفر المذاهب الأخرى وربما تحقرها وتزدريها! مما يحتم إثارة حفيظة أتباع المذهب المستهدف ويناديهم نصرة مذهبهم وإثبات إيمانهم بالرد الحازم الجازم وجعل أولئك تحت أقدامهم منكل بهم ممثل في جثامينهم مسحولة أبدانهم مهتوكة أعراضهم وكل ذاك قربة لله تعالى ونصرة المذهب الوحيد القويم !!!
ويا لضعاف العقول !ويا لمسرح يترع فيه الأبالسة زهواً! إذ انجرف كل مختل عقله وضعيف إيمانه وعميق تمسكه بسراب مولاه وإلهه الشيطان ووعوده الزائفة من دنيا منجسة ومحرمات مباحة تجول فيها ضباع تعودت أن تقتات من فتات موائد أسيادها وتسكر من بقايا أكراعهم ثم تقبل أحذيتهم ، إذ انجرفوا بسلطان الهوى وعمى البصيرة ينفذون بمقاليد الحيوانات الكاسرة غدراً بالأبرياء وبالأوطان ورفعاً لراية الكفر والزندقة وتحويل الأرض إلى غابة، العزة لمن يملك المدفع والسيف ،ورصاصة الغدر مقتنصة الإسلام ديناً، ومؤسسة لخلافة الشيطان الذي ما زال حلم الخلافة يراوده رغم الإقصاء الإلهي البائن له !! لكن السفهاء وصغار الشياطين من الإنس يضعون أيديهم القذرة بيده المنجسة فيتعاونون معه لعلهم يفعلون شيئاً !! شاهت وجوه ما عرفت للصلاة سبيلاً! ولا يغرنكم حركاتهم البلهوانية التي يسمونها صلاة! فالصلاة كما حددها الشارع الإلهي “إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ”. (العنكبوت-٤٥)وإنهم “خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا “.( مريم -٥٩).
للحديث بقية
يعرف الرجال بالحق – الجزء الخامس عشر
أقدم الرسول الكريم ( ص )على بناء مسجده النبوي الصرح العبادي والمدرسة الفاضلة والمؤسسة التوجيهية لمجتمع إنساني مؤسساتي يكون النواة لدولة الإسلام القائمة على الصراط المستقيم ، نواة الحق التي ركائزها مصالح دنيوية وأخرى أخروية ،وهما ركيزتان متشابكتان ومتداخلتان فلا تطغى الأولى على الأخرى ولا تقصي الآخرة الأولى .
نواة الحق وصمام المجتمع الفاضل هذه بنيت بسواعد النبي ( ص ) وسواعد المؤمنين وكان عمار بن ياسر ( رض)متعاوناً نشيطاً يحمل الحجارة واللبن عنه وعن النبي محمد ( ص ) ، والظاهر أن المهاجرين والأنصار استغلوا الظرف بعض الشيء ، فَحَمَلوا عمار فوق طاقته ! فاشتكى الأمر لرسول الله ( ص ) إذ قال عمار( رض ) :” يا رسول اللّه قتلوني يحملون عليّ ما لا يحملون”. فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : “ويح ابن سمية ليسوا بالذين يقتلونك، إنّما تقتلك الفئة الباغية”.( السيرة الحلبية -الجزء -٢-٧١) .
فما أروع مضامين حوت إجابة رسول الله ( ص ) الذي أبعد سحنة الغضب عن محيا عمار بن ياسر، ثم زرع البسمة على ثغره ،والبلسم في قلبه حباً لأبناء دولته الفتية وحواضر مجتمعه الجديد، فمحاربة الغيض والحقد المترتب على سوء الظن بالآخرين إنما هو نزع فتيل الفتنة والتباغض وتأسيس قلوب متقاربة متحابة في الله إذ يقول تعالى : “إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ”.( الحجرات- ١٠)، ومن أجل غايات ساميات وشريعة معتدلة وقوام حياة عيش مشترك وتعاضد وتناصر في السراء والضراء وحين البأس ، ولإجتماعهم بشكل منظم وبروتين مطرد،ولتنظيم أساسيات المجتمع وأولوياته ولبث أنجع السبل وأتمها في نفوس مضطربة وجديدة العهد بالإسلام وأخلاقياته ومنهاجه ،ولنشر العلوم الإلهية بين الناس، يقتضي الأمر حنكة وحكمة بالغة لا تتوافر معادنها إلا في رجالات الله ، يقول المولى :” لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا”.( النساء-١١٤)، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: “صدقة السر تطفي غضب الرب تبارك وتعالى”.( الكافي ) ،وقال الحبيب الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم : “أقربكم مني مكانةً يوم القيامة أحسنكم أخلاقاً بين الناس .”. وقال كامل النور محمد ( ص ):”اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلقٍ حسن”. وقال أيضاً :” أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك”،وقال الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم : “التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء”، وقال الرسول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً: “إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقاً , وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذَّّاباً” ، وقال حبيب الله محمد ( ص ):”ليس المؤمن بطعّان ولا لعّان ولا فاحش ولا بذيء”.
فهل أطنب وأسهب أم أوجز وأقتضب في أقواله الحكيمة( ص ) ؟! فالأمر سيان فقليله كثير، وكثيره فيض من معين لا ينضب، وفي الإطناب والإسهاب لب زاد طلاب الحق وطريق النور، وفي الإقتضاب والإيجاز حكمة بالغة وذكر وعبادة وأي عبادة !! ألم يقل الله تعالى :” فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا”.(البقرة -٢٠٠)، كما أن الذكر يلجم ألسنة المغرضين والطامحين بغرائزهم الحيوانية والدونية هدم أساسات الدولة الحق وإفشال مخططٍ إلهي بإعمار الأرض بالمؤمنين! ومحاصرة ما أراد الله لهم من خزائن خير الزاد التقوى الكثير الذي يصلح دنياهم وآخرتهم والتي يراد لها ألا تتنزل! ألم يقل الله تبارك اسمه وتعالى جده :” وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ۚ وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ”.( البقرة -١٩٧)، كما قال سبحانه :” مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ “.( البقرة -١٠٥)، وقال تعالى :” إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ”.( المائدة -٩١)، وقال جل جلاله :” يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ ۖ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ “.( آل عمران -١١٨).
وكان لتطابق أفعال النبي وأقواله مفعول السحر على تبني الأمة الفتية كل قول وفعل وحركة وسكنة لهذا القدوة ،قدوة القدوات الحسنة :” لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا “( الأحزاب -٢١)، كما أن تفعيل أوامر الله تعالى على ذاته الشريفة أولاً واستجابته وخضوعه لها دون انتظار الآخرين اكسبه مصداقية وشفافية
أمامهم ليحذوا حذوه إن وطنوا النفس على شراء الآخرة بالأولى !! قال تعالى :” هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى”.( طه-٨٤)، ويقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : “كان أجود الناس كفاً وأجرأ الناس صدراً وأصدق الناس لهجة وأوفاهم ذمة وألينهم عريكة وأكرمهم عشرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه، لم أر قبله، ولا بعده مثله (صلى الله عليه وآله وسلم)”. وعن أنس قال:” كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا فقد الرجل من إخوانه ثلاثة أيام سأل عنه فإن كان غائباً دعا له، وإن شاهداً زاره، وإن كان مريضاً عاده “، وروي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يدع أحدا يمشي معه إذا كان راكباً حتى يحمله معه فإن أبي قال ( ص ): تقدم أمامي وأدركني في المكان الذي تريد، ودعاه (صلى الله عليه وآله وسلم) قوم من أهل المدينة إلى طعام صنعوه له، ولأصحاب له خمسة فأجاب دعوتهم، فلما كان في بعض الطريق أدركهم سادس، فماشاهم، فلما دنوا من بيت القوم قال (صلى الله عليه وآله وسلم) للرجل السادس: إن القوم لم يدعوك فاجلس حتى نذكر لهم مكانك ونستأذنهم لك “.
ولبث روح تعظيم الآخرة وما فيها من امتيازات ونِعَمٍ لا يعلم كينونتها الحقة غير الله تعالى وما أعد للفائزين برحمته من نعم لاحصر لها ولا قبل لأحد بخسرانها، وإمعاناً في تحقير الحياة الدنيا وما فيها رفع رسول الله مبدأ الزهد في الحياة الدنيا شعاراً ودثاراً ! فَنُظرٓ إليه وهو سيد خلق ربه يفترش الأرض ويتلحف السماء ويأكل قظيمات من متاع الحياة الدنيا لا تسد رمقه ولا تسكن أليم جوعه ، ويحرض خاصة أهل بيته اتخاذه مثلاً ويحذرهم تبعات الإقبال على نعيم الدنيا! فما خُلق محمد وآل محمد ( ص ) بالذات ومن تبعه من الصلحاء الطامحين إلى رضوان الله تعالى وزلفة خُص بها المتمثلين بالقدوة الحسنة محمد رسول الله(ص ) لدنيا فانية لا خير فيها! فقد قال رسول الله (ص) لفاطمة (ع) :” يا فاطمة !.. تجرّعي مرارة الدنيا لحلاوة الآخرة” . ( الكافي -ص٢٢٠) ، ولقد رئي على عليّ (ع) إزارٌ خلقٌ مرقوعٌ ، فقيل له في ذلك ، فقال (ع) : “يخشع له القلب ، وتذلّ به النفس ، ويقتدي به المؤمنون “.( مكارم الأخلاق-ص-٣١٣)،دخلت على أمير المؤمنين (ع) فإذا بين يديه لبن حامض قد آذاني حموضته ، و كسر يابسة ، قلت : يا أمير المؤمنين !.. أتأكل مثل هذا ؟.. فقال (ع) لي : يا أبا الجنود !.. إني أدركت رسول الله (ص) يأكل أيبس من هذا ، ويلبس أخشن من هذا ، فإن لم آخذ بما أخذ به رسول الله (ص) خفت أن لا ألحق به “.( مكارم الأخلاق -ص٣١٥).
والحق يقال أن السبيل لترويض النفس على الزهد في متاع الحياة الدنيا تجلت في مشيئته تعالى لقدوة المؤمنين ( ص ) أن يحيا وهو الكريم على ربه وخاصته من أهله الأطهار ( ص ) عيش الفقراء كما أسلفنا !حياة تقشف وزهد مرير ومضن ،كما أنهم ( ص ) نظروا إليها بمنظار ربهم جلت قدرته وبالكثير من الإزدراء والإستخفاف بها وبما فيها- على عظيم نعم الله وعطاياه الجليلة المتجلية للعيان ! – لكون الدنيا وما فيها لم تخلق لمحمد وآل محمد( ص )، ولا للراغبين في رضوان الله تعالى من الصالحين واولياء الله والمتقلدين محمد وآل محمد (ص ) قدوة حسنة ، فماالدنيا إلا قنطرة عبور لمتاع لا يفنى ولذاتٍ طاهرة لاتتدنس بخبائث ملوثة بمتع الدنيا، ولصحبة ماجدة وعشرة رائقة خالدة صافية معادنها ما لها من نظير ، ألم يقل الله تعالى :” اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ۚ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ”.(الرعد-٢٦)، كما قال العليم الخبير :”يَاقَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ “.( غافر -٣٩)، وقال أيضاً :” مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ۖ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ”.( الشورى- ٢٠)، وقال الإمام علي ( ع ):” خذوا من ممركم لمقركم “.،وقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): “إذا رأيت أخاك قد زهد في الدنيا فاستمع منه فانه يلقن الحكمة”.( جامع السعادات -ج٢- ص-٥٩)، وقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): “من اشتاق إلى الجنة سارع إلى الخيرات، ومن خاف من النار ترك الشهوات، ومن ترقب الموت اعرض عن اللذات، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات”.(جامع السعادات -٢-ص-٦١)،قال علي( ع )
: “ان من أعوان الأخلاق على الدين : الزهد في الدنيا”.(جامع السعادات -ج-٢- ص-٦٢).
ولا يعني ذاك أن اقبال الدنيا على أحدهم يخرجه من رضوان الله تعالى وإنما حسن تدبره للدنيا المقبلة عليه وإعطائه كل ذي حق حقه هو السبيل للبيان عن مكنونات قلبه من إيثار رضا الله سبحانه على دنيا تزينت وعقدت العزم على غواية من أقبلت عليه! وهنا المحك والميزان اللذان وضعهما الله تعالى فابتلى عبيده بهما ليميز الخبيث من الطيب ،يقول الإمام علي ( ع ):” ليس الزهد أن لا تملك شيئا، بل الزهد ألا يملكك شيء”، كما يقول ( ع ):” الزهد بين كلمتين من القرآن، قال الله سبحانه: {لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ}.. ومن لم يأس على الماضي ولم يفرح بالآتي؛ فقد أخذ الزهد بطرفيه “.
وهذا النبي مثالاً حياً يسعى بين الناس رافضاً دنيا دنية فانية رغم أن العلي الأعلى وضع بين يديه الملك ومفاتيح خزائن الدنيا مخيراً إياه ولا ينقص من مكانته ومنزلته عند ربه قيد أنملة ! لكن حكيم الدنيا (ص) من لدن أبي الأنبياء آدم (ع ) إلى آخر نفس في الحياة الدنيا، كعادته وديدنه يتباسط ويتواضع ويخشع لعظمة الله تعالى ويرضى عن قناعة راسخة باليسير منها طامعاً لقاء الله خفيفٌ حمله من متاع الحياة الدنيا، ثقيلٌ ميزانه برضا الله تعالى ،ومن أحق منه ( ص) ببغض متاع الدنيا الفانية ورفضها ؟!ففي أقبالها سعير المحن وعظيم الإبتلاءات تُفتح! ويُرمي صاحبها على شفير حفرة من النار سائقة إغواءات شيطانية ودعوات مبهمة وابتلاءات غير مضمونة النتائج وخسران لمن أصابها فصدقها وركن إليها!! قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :”حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات”.
وها نحن نعيش فترة عصيبة من الزمان ففراعنة وطواغيت لبسوا لبوس الدين نفاقاً ! ورفعوا رايات شعارها نصرة محمد(ص) والدين الإسلامي تدليساً! وادعوا أنهم يد الله الضاربة في الأرض زوراً وبهتاناً !وأنهم خرجوا من جحورهم وانسلوا من كل حدب وصوب يبتغون رضوان الله تعالى في إقامة دولة الحق ! ولعمري كيف لعاقل أن يصدقهم في دعواهم ؟! وما هم إلا جشاعٌ وطلاب دنيا حرام مقاصدها كلها بلا استثناء ، فلا الزهد عرفوا ولا العمل الصالح تبنوا!! ولا التمسك بحبل الله والعروة الوثقى أرادوا!!ونواميس الله وشرائعه حطموا وحرفوا!! وفجروا بيوت الله من مساجد وكنائس ومراقد رجالات الله العظام أنبيائه ورسله وأولياءه الصالحين !!يقول المولى الحق :” قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ ۖ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ ۚ “.( الأعراف -٧١)، ولقد باعوا الأوطان ورفعوا راية ظاهرهاالخير كله، وباطن مقاصدهم الشر كله !! قد خبثت نواياهم التي تسعى علواً لأبالسة وشياطين هم في حقيقة الأمر ألهتهم ومصدر إلهامهم ،ومنبع لا ينضب من سقوط وانحطاط وتكالب على دنيا قذرة أبوابها تبدأ من إلغاء العقل وفتح أبواب الشهوات الحرام حُكماًعلى مصراعيها!! يقول تعالى:” وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ۚ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا”.( النساء-١١٩)، وشاغلتهم الدنيا فشغفوا في هواها!! فلا زهدت أعين قوامها وحراسها وأتباعها عن متع حرام يسلبونها عنوة !ويتلذذون باغتصابها بالقوة والإكراه والإذلال لغيرهم ،وينتشون سكراً بدموع ضحاياهم! ويسلبون قوت العباد !ويمتعون النظر بمناظر إمعاء خاوية تتلوى جوعاً وتلتمس تراب الأرض غذاءً ، ويستعبدون عباد الله سخرة ليلاً ونهاراً!! ومنبرهم دجال منافق يحلل لهم الأرض ومن عليها! فالمال مال ربهم لهم دون غيرهم التمتع فيه!! ومنابر غيرهم إنما هي منابر ما أنزل الله بها من سلطان فلابد من هدمها وجرفها ومنع الآخرين من رفع اسم الله وذكره وإن كانت محتضنة مراقد أولياء الله الصالحين،ألم يقل علام الغيوب فيهم :” وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا ۚ أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ “( البقرة-١١٤).
هؤلاء يلبسون رث الثياب زيفاً بدعوى الزهد تارة وإلتزاماً بأوامر الرحمن تارة أخرى ،وكأن الدين اقتصر على ظاهر لا باطن فيه، فقد اجمعوا على الأخذ من الزهد بثياب خلقة منفرة وترك ما عداه !! ومن سخريات القدر أن يُعتمد اللباس الأفغاني لباساً للمؤمنين، وكأن محمداً أفغانياً لا تهامي عربي الدماء! وكأنه بعث في أفغانستان لا مكة المكرمة !!- مع احترامي الشديد للشعوب كافة ولكنه تساؤل محير موجه لمن استنبط هذا اللباس زياً رسمياً للشعوب الإسلامية ؟! فهل المقصود به إلغاء هوية النبي محمد ( ص ) ؟!أم توجيه عقول ونواظر الآخرين تدريجياً في اتجاهات أخرى غير قبلتهم ومكتهم ورسولهم ( ص )؟! فلا نامت أعين الظلمة !يقول القادر المقتدر :”وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ ۚ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ ۚ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ ۚ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ”.( البقرة – ١٤٥).
ومن تحت قصاصات أرديتهم تلك يرتع الشيطان ربهم الذي يسيرهم بمنهاجه ويتراقص صباحاً ومساء ،ويكرع نخب انتصاره -المزعوم فرية – على محمد ودينه في صولة غدر بالأمة وغفلة رجالاتها عما يحاك لها ولهم !! ولكنها لحظات نشوة زائلة عما قريب ولن تدوم، فالذي لا يخاف الفوت” اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ “.(البقرة-١٥) فهل أولئك رجال الله حقاً ؟!وهل الزهد باباً ولجوا فيه ؟!وهل الحطة والسماحة شعارهم ؟! وهل ما بناه محمد ذهب أدراج الرياح بمعاولهم وعلى أيديهم ؟! أم هي صولة وهناك صولات وجولات؟! فالحق بين والباطل بين “وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ “.( البقرة-١٨٩)،
{وروى جعفر بن أحمد القمي في كتاب الغايات :
١٨٨٤ (٢٢) كا ١٦٨ ج ٨ – عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن ابن محبوب عن الحسن بن السرى عن أبي مريم عن أبي جعفر عليه السلام قال سمعت جابر بن عبد الله يقول إن رسول الله صلى الله عليه وآله مر بنا ذات يوم ونحن في نادينا وهو على ناقته وذلك حين رجع من حجة الوداع فوقف علينا فسلم فرددنا عليه السلام ثم قال مالي أرى حب الدنيا قد غلب على كثير من الناس حتى كأن الموت في هذه الدنيا على غيرهم كتب وكان الحق في هذه الدنيا على غيرهم وجب وحتى كان لم يسمعوا ويروا من خبر الأموات قبلهم سبيلهم سبيل قوم سفر عما قليل إليهم راجعون بيوتهم أجداثهم ويأكلون تراثهم فيظنون انهم مخلدون بعدهم هيهات هيهات اما يتعظ آخرهم بأولهم لقد جهلوا ونسوا كل واعظ في كتاب الله وآمنوا شر كل عاقبة سوء ولم يخافوا نزول فادحة وبوائق حادثة طوبى لمن شغله خوف الله عز وجل عن خوف الناس طوبى لمن منعه عيبه عن عيوب المؤمنين من إخوانه طوبى لمن تواضع لله عز ذكره وزهد فيما أحل الله له من غير رغبة عن سيرتي ورفض زهرة الدنيا من غير تحول عن سنتي واتبع الأخيار من عترتي من بعدي وجانب اهل الخيلاء والتفاخر والرغبة في الدنيا المبتدعين خلاف سنتي العاملين بغير سيرتي طوبى لمن اكتسب من المؤمنين مالا من غير معصية فأنفقه في غير معصية وعاد به على اهل المسكنة طوبى لمن حسن مع الناس خلقه وبذل لهم معونته وعدل عنهم شره طوبى لمن أنفق القصد وبذل الفضل وامسك قوله عن الفضول وقبيح الفعل”.}
[وفي الغرر-٥٥٥ – قال إمام المتقين (ع):”كيف يدعي حب الله من سكن قلبه حب الدنيا “.٥٧٢ – وقال أيضاً ( ع ) :”كما أن الشمس والليل لا يجتمعان كذلك حب الله وحب الدنيا لا يجتمعان”.
- ٣٨٠ – قال الإمام علي ( ع ):”حب الدنيا رأس الفتن وأصل المحن”.٣٨١ – وقال (ع ):”حب الدنيا يفسد العقل ويصم القلب عن سماع الحكمة ويوجب أليم العقاب”. ٣٨٠كما قال ( ع ):” – حب الدنيا يوجب الطمع”.]
ما لمحمد وآل محمد ( ص ) والدنيا !! يقول تعالى:” وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ، إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ( الإنسان-٨-٩)، كما قال تعالى :” لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ”.( البقرة-١٧٧).
وعوداً على بدء ،من أولى من الحكيم المعلم ( ص ) لنشر ثقافة حب الله وحب رسوله ممرٌ إلى خلود ومتاع لا يفنى شريطة مروره عبر بوابة الزهد في الدنيا؟! وهذا لا يتعارض مع مبدأ العمل المتفاني في بناء الحياة الدنيا ففي بنائها عبادة لذات الله تعالى، ولهذا نجد النبي يزهد في الدنيا بيد ويشجع القوم على ذاك، وفي المقلب الآخر يحرضهم على البناء والعمل الدؤوب كل حسب موقعه، كما يدفعهم لصيانة الحقوق والالتزام بالواجبات ،ولا يغفل عن تحذيرهم من موبقات الفتن الملازمة لحب الدنيا !ومن مصاديق الزهد في الحياة الدنيا إغاثة الملهوف وقضاء حوائج المحتاجين والمسارعة إلى بذل المال والنفس حباً وكرامة في سبيل إحياء المجتمع الإسلامي والنهوض بأهله وبكراماتهم، وتلمس حاجات المستضعفين والمحتاجين سراً وعلانية، متذللين لله المنعم ومترفعين عن ذل السائلين ،غير ناظرين ولا منتظرين لا جزاء ولا شكوراً ! فالصدقات والزكوات عنوان ريئسي في برمجة المؤمن للزهد في الحياة الدنيا لما للمال من سطوة وجبروت على النفس البشرية ف ” قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا “. (الشمس -٩) !يقول الرسول الكريم ( ص ) : “اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً”.كما روي قول أئمتنا( ع ):” ليس منا من ترك آخرته لدنياه، وليس منّا من ترك دنياه لآخرته”، وروى سلمان (رحمه الله): كانت فاطمة ( ع ) جالسة وقدامها رحى تطحن بها الشعير، وعلى عمود الرحى دم سائل، والحسين في ناحية الدار يبكي، فقلت: يا بنت رسول الله دبرت كفاك وهذه فضة.فقالت: أوصاني رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن تكون الخدمة لها يوماً ولي يوماً، فكان أمس يوم خدمتها.قال سلمان: أما أن أطحن الشعير أو أسكت لك الحسين.فقالت: أنا بتسكيته أرفق..
قال سلمان: فطحنت شيئاً من الشعير فإذا أنا بالاقامة فمضيت وصليت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله).
كما أن الرسول (صلى الله عليه وآله) دخل ذات يوم بيت فاطمة الزهراء (عليها السلام) فرآها متعبة مرهقة من كثرة العمل، فكانت تطحن بالرحى وعليها كساء من أجلة الإبل.. فلما نظر إليها بكى وقال(صلى الله عليه وآله): “يا فاطمة تعجلي مرارة الدنيا لنعيم الآخرة”. وقال الحق وقوله الفصل :” وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآَخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ”.( القصص -٧٧).
وبما أن للمال سطوات وبرائق لا تنكر وإغواءات مستعرة، وهو باب من أبواب جهنم إن لم يوضع له ضوابط وشرائع موضحة طرائقه الشرعية المباحة الفاضلة ،كماأنها تسد منافذ الشيطان ومكائده باستغلال المال مصيدة لبني آدم! ذهب الشارع إلى تحريم الكثير من الأساليب المكتسبة من شريعة الغاب والتي من نتاجها القطيعة بين طبقات المجتمع، وتألب الطبقات المهضومة حقها على مصاصي دمائهم من الفراعنة الطواغيت والأثرياء المستفيدين من وضعية كتلك ! وتفاوت في مستويات المعيشة والقدرات المالية تؤدي إلى هوة سحيقة بين الأثرياء والفقراء دون وجه حق ، فقد حرم المولى سبحانه السلب والنهب والسرقة والتعدي على أموال وأملاك الأخرين ، وشدد على حرمة وضع اليد بالقوة على أملاك الآخرين أياً كان هذا الآخر مسلماً أم ذمياً، حاضراً أم غائباً، كما حرم الإتجار بقوت البشر بتحريم الإحتكار، وأيضاً وضع نظام الجزية والخراج والخمس والصدقات لمعالجة التفاوت الطبقي ولإرساء مبادئ التعاضد والتكافل والتراحم بين المسلمين ،ومغلقاً منافذ الشيطان التي يتمكن بها من زعزعة صفوف الأمة وتحريضها على الشحناء والبغضاء ضد أنفسهم ، كما سعى الإسلام إلى تحريم الإتجار بالبشر تدريجياً كعبيد وسخرة بوضع نظام الكفارات عن بعض من الخطايا بعمليات عتق للعبيد والإماء كتجارة رابحة عند الله تعالى للوصول بعدها إلى تحريم تجارة الرقيق ،وتحريم تجارة الأعراض وهتك الستور والإجبار على البغاء، فهي مهينة للكرامات ولإنسانية الإنسان، ولاغية الغاية من خلقه فالعبودية لله وحده بما تتضمن أيضاً عبادته وحده لا شريك له ،وتفتح المراهنات والنوايا على استعباد البشر والإتجار بهم عمل الشيطان المحرض عباد الله المظلومين على الله تعالى بتحميل الخالق خطايا الزنادقة والفجار من خلقه ! ألم يقل الله تعالى : وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ۗ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ “.( آل عمران -١٠١)، وكذلك قال :” وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ۖ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا ” النساء -٢)،. وّذقال أيضاً :”وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا “.( الإسراء -٣٢)،. وقال الحق:”قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ”.(الأنعام – ١٥١)،
ويطل علينا من يتعمم بعمامة الدين وتعكز بعكاز الفتاوى فيشرع ما يهتز له عرش السماء غضباً!! وتستعر نيران جنهم غضباً لغضب الجبار المنتقم ،وحنقاً لفتوى فجورٍ وعهر معممة بأقدس السبل إلى الله “الجهاد في سبيله”فرية ما بعدها فرى !إنه جهاد هتك الأعراض واختلاط الأنساب وتعميم ثقافة أولاد الزنا !! فينعق غربان الأبالسة بجهاد إلههم ( وحاشا لله أن يفعل واستغفره وأتبرأ إليه منهم فما هو بربهم )الجهاد المسمى كذباً وزوراً جهاد النكاح ، فالطاهر ربنا لا يقبل أن يُجاهد في سبيله بالأعراض، بل هو مخطط شيطاني متفق عليه بنشر الفساد والإفساد ليصبح عادة متأصلة في عموم الناس ويستوي الرعاع من الرعاة الزناة وأباء أبناء الزنا بالشرفاء من المؤمنين الذين يخشون الله رب العالمين ويتعففون ويتطهرون من مواقع فحش وفساد هي تلك ، والأَمَرُ من ذاك أن يطل علينا من أهرق ماء شرفه ( إن كان له شرف )وماء وجهه البغيض فيطالب لا بل يحرض الناس على تسليم أعراضهم طواعية ليخوض الزناة العهار في حرائرهم وهم يتراقصون طرباً وسعداً لهكذا يوم مشؤوم ؟!
فما تقول أيها الناعي دينك وعرضك لله رب العالمين يوم أنت بالغه- لا ريب في ذاك – عن فحيحك الذي تسميه دعوة ؟!ألم تسمع بأن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار؟! وأن المبتدع لأي بدعة ضالة مضلة كانت عليه وزره ووزر من اتبعه إلى يوم القيامة ؟!فعن أبي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام) قالا:” كل بدعة ضلالة وكل ضلالة سبيلها إلى النار”، وعن أبي عبدالله (عليه السلام) قال في معنى : “اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ .( التوبة -٣١)؟ ” أما والله ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم، ولو دعوهم ما أجابوهم، ولكن أحلوا لهم حراماً، وحرموا عليهم حلالاً فعبدوهم من حيث لا يشعرون”. ( أصول الكافي -ج-١)، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :” أبى الله لصاحب البدعة بالتوبة، قيل: يا رسول الله وكيف ذلك؟ قال: إنه قد اُشرب قلبه حبها”. وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال:” إن من أبغض الخلق إلى الله عزوجل لرجلين: رجل وكله الله إلى نفسه فهو جائر عن قصد السبيل، مشغوف بكلام بدعة، قد لهج بالصوم والصلاة فهو فتنة لمن افتتن به، ضال عن هدي من كان قبله ، مضل لمن اقتدى به في حياته وبعد موته، حمال خطايا غيره، رهن بخطيئته.،ورجل قمش رجلا في جهال الناس، عان بأغباش الفتنة، قد سماه أشباه الناس عالما ولم يغن فيه يوما سالما، بكر فاستكثر، ما قل منه خير مما كثر، حتى إذا ارتوى من آجن، واكتنز من غير طائل ، جلس بين الناس قاضياً ضامناً لتخليص ما التبس على غيره، وإن خالف قاضياً سبقه، لم يأمن أن ينقض حكمه من يأتي بعده، كفعله بمن كان قبله، وإن نزلت به إحدى المبهمات المعضلات هيأ لها حشوا من رأيه، ثم قطع به، فهو من لبس الشبهات في مثل غزل العنكبوت لا يدري أصاب أم أخطأ، لا يحسب العلم في شئ مما أنكر، ولا يرى أن وراء ما بلغ فيه مذهباً، إن قاس شيئاً بشيء لم يكذب نظره وإن أظلم عليه أمر اكتتم به، لما يعلم من جهل نفسه، لكيلا يقال له: لا يعلم، ثم جسر فقضى، فهو مفتاح عشوات ، ركاب شبهات، خباط جهالات، لا يعتذر مما لا يعلم فيسلم ولا يعض في العلم بضرس قاطع فيغنم، يذري الروايات ذرو الريح الهشيم ،تبكي منه المواريث، وتصرخ منه الدماء، يستحل بقضائه الفرج الحرام، ويحرم بقضائه الفرج الحلال، لا ملئ بإصدار ما عليه ورد ، ولا هو أهل لما منه فرط، من ادعائه علم الحق”.( أصول الكافي -ج-١).
للحديث بقية
يعرف الرجال بالحق – الجزء الرابع عشر
هاجر النبي إلى ديار يثرب حيث لا قواسم مشتركة بين قاطنيها لينطلق منها النبي محمد (ص) فيجمع بين القبيلتين المتخاصمتين الأوس والخزرج، واللتين لا تجتمعان على شيء سوى الإتفاق على محاربة إحداهما الأخرى ، وسط هذا الخضم المشحون بغضاً وكراهية كانت قيامة محمد النبي ( ص )، ليؤسس مبدأ الإخاء بين الأنصار أهل يثرب والمهاجرين من أهل مكة، فعمل على مؤاخاة كل أنصاري بمهاجري ،فتربط هذه العلاقة الأخوية الجديدة بينهما بأوشاج متينة عمادها رضا الله والرسول ( ص )،إذ جمعهم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال لهم: “تآخوا في اللّه أخوين أخوين”.فكان مدخلاً عظيماً لنشأة مجتمع متكافل ومتحاب في الله، ومن نتاجه تعاهد وتعاضد وانصهار مجتمع قبلي عنصري عصبي في بوتقة رحمة وتآلف ما عرفه التاريخ من قبل، ولكن لله في خلقه شؤون وسبحانه مغير الأحوال ومقلب القلوب والأفئدة إذ اتحدت تلك تحت مظلة لا إله إلا الله ، فكانت محصلتها تعاهد الأفئدة المؤمنة وتوادها وتراحمها وترابطها بروابط رضوانية نورانية ما لها من انفصام، فلا يسلم أحدهم الآخر، بل المؤمن للمؤمن عينيه وساعديه، يعينه على ظروف الحياة الصعبة ،ويشاركه الجراح ومن ثم البسمة ، ويتقاسمه الضراء قبل السراء ،قال الرسول ( ص ):” “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”.
بل بلغ الإيمان بطاعة الله ورسوله ذروته لدى الإخوة من الأنصار في تلك الظروف الحالكة ،فتدافعوا في نسيج غريب من الطواعية والمرونة بحيث زهدت في الدنيا قلوبهم التواقة لما عند الله تعالى ولآخرة ختامها مسك ! وقال العليم الخبير :” وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ “.(الشورى-٣٦)، فصار يتقاسم دنياه مع أخيه المهاجر بنفس مطواعة محبة لفعل الخير مُقَدِمَتَه على مباهج الحياة، وما برحوا يتقاسمون المال والأزواج وما ملكت أيمانهم من عقار وبساتين حتى المشاعر صيرت رحبة وقويت وكأن الأخ المهاجر أقوى لأخيه الأنصاري وأقرب إليه من دمه الساري في عروقه !ألم يقل الله تعالى :” وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا ۚ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ “.( القصص -٦٠) ،فهل يعقل أن يَقْدِم هذا الأنصاري على تطليق أحدى زوجاته ساحقاً عواطفه اتجاه حليلته ؟! ليتمكن أخيه في الله المهاجر من الزواج منها ومراعياً حاجاته الجسدية ،ومقدراً حجم المعاناة التي يحياها المهاجر لبعده عن أهله فيمكنه بذلك من تأسيس كياناً شرعياً خاصاً به طارداً شبح الوحدة والغربة عنه ، لولا بلوغه قمة الطاعة لله ورسوله ( ص ) في تلك اللحظات الحاسمة من تاريخ الأمة ! فماذا فعل محمد( ص ) بالقوم حتى يحولهم من مجتمع متناحر متباغض إلى كينونة عاقلة متحابة مضحية متخلقة بمكارم الأخلاق ؟! وماذا فعل الإيمان بهم إذ يتسابقون إلى فعل الخيرات حباً وكرامة لله رب العالمين وطاعة لرسوله ( ص ).قال تعالى :”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ، وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ، وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ “. ( آل عمران -من -١٠٢-إلى -١٠٤ )، كما قال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ”.( آل عمران-٣١)، وكما قال تعالى أيضاً:” كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ “.( آل عمران -١١٠)، وماذا فعل بهم تبني الإعتقاد أن الله ورسوله وطاعتهما أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجهم وبنيهم وأموال اكتسبوها في حياتهم الفانية ؟! يقول خالق الخلق :” زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ، قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ “.( آل عمران-١٤-١٥)، وماذا فعل بهم الغيب من مفاعيل خارقة ؟! ليرتقوا سلالم الأعمال الصوالح هرولة ويتعالون عن موبقات الأمور وصغائرها ويترفعون عن الدنس وخسائس النجاسات ما ظهر منها وما بطن ، يقول تعالى :”إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ “.( المائدة-٩١)،وقال المولى جل شأنه :” وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا “.( الإسراء-٣٢)،وقال أيضاً :”وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ “.( الأعراف-٥٦)، وقال العدل :”وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى “.( طه -٨٢)، وقال أيضاً :” وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ “.( التوبة-١٠٥).
ولابد من الإلتفات إلى نكتة جد عظيمة أن الرسول آخى بين المهاجرين والأنصار وأن أفعال المؤمنين من المهاجرين والأنصار جاءت تلقائية طواعية تحت مظلة الشرع، فلا إكراه ولا إجبار على فعل ما، بل لا يجوز بصفة الحاكم المطلق واليد العليا لرسول الله (ص) فرض أمر واقع بالقوة والإكراه ،فتسبى حرائر الأنصار وتغتصب أعراضهن أو يجبرن على ممارسةالبغاء بحجة جهاد في سبيل الله!- الذي لم يعرف التاريخ فرية ساقطة كهذه الدعوة المكشوفة للعهر والإنحطاط باسم الرب وجهاد في سبيله والتي روعت بها مجتمعاتنا الإسلامية المعاصرة على أيد سدنة الدين الجديد!!- وعوداً على بدء ،فما كان للرسول ( ص )وحاشاه من منطق معوج كذاك ولا لأحد من أتباعه أن يفتري على الله تعالى بحجة ليئمة كتلك، فنعود القهقري إلى أفعال منجسة رأس مسقطها قابيل الذي قتل أخاه ظلماً وعدواناً ،وأخته التي فتحت أبواب الفجور شرعاً( لعنهما الله تعالى )، وأسسا لكل فعل فحش مدنس لا يقبله الشرع ولا المنطق ولا الأحرار العقلاء المؤمنون الذين يخافون الله رب العالمين ويخشون “يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا “( الإنسان -٧)، ولا يحق له (ص) ولا لهم باسم الدين السطو على أموال المسلمين والإجبار على تقاسمها مع الآخرين ، فما هكذا يبنى الدين القويم ! ولكن نعم تبنى شريعة الغاب على هكذا أفعال همجية رعناء ! ويؤسس للواء الشيطان ودولة الأبالسة من الجبت والطاغوت بهكذا كيفية ،غصب ونهب وسلب وتقطيع للرؤوس وصلب للأموات واعتداء على حرمات الأحياء منهم والأموات أيضاً، ودعوات داعرة لولاة الأمر من الرجال لتسليم حرائرهم وأعراضهم ليخوض بها كل عاهر طواعية خدمة للجهاد في سبيل الطاغوت!! بحجة تصحيح المسار بالقوة والإكراه! فما حاجة الله إلى عباد سخرة لا يفقهون شرعه ولا يتواصلون معه بعقولهم، ولا يتناغمون معه بالحب والولاء؟! فذاك العظيم -سبحانه وتعالى علواً كبيراً عما يزعمون- كتب على نفسه الرحمة وأرسل رسله بالرحمة والرفق أيضاً، فلابد للحب من أوشاج تربط الرب الرحمن الرحيم بعباده، فلا سطوات ولا قهر إلا سطوة العقل والبيان ، فماذا فعل منطق البيان الإلهي والوحي السماوي والحجة المحمدية بأوائل الأنصار حتى يكونوا مضرباً يحتذى به لمن بعدهم ؟!
فها هم يحصدون الزلفى والقربى إلى الله الإله المعبود، وجنان هي محصلة طاعة حبيب الله (ص)المنفذ لنواميس الله والمعلم لشرعه المتفاني في خدمة المسلمين والمعين بجم خلقه وعظيم تواضعه وتباسطه المبلسم والمؤنس والغير مألوف من سادات القوم لمن دونهم من الآخرين ،وبشاشة خلقه وسماحة محياه المبذولة للقاصي والداني ولشرائح الناس كبيرهم وصغيرهم ، قويهم وضعيفهم وعزيزهم وذليلهم، وللحر والعبد على حد سواء، قالباً موازين القوى ومفاهيم الردى للجاهلية لنور وقبس يستضيء بسناه كافة البشرية !!فقد قال تعالى:”إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا”.( النساء- ٥٨)، هو سيد القوم نعم ولكنه المرآة لنور ربه ، إنه خير من وطئ الأرض ولكنه النبي الحاضن لقيم ربانية أُريد لها من الله تعالى أن تكون العماد والمنهج والناموس الأعظم لثلة من المؤمنين دخلوا وسيدخلون أبواب التاريخ حطة مشرعة لهم، ومقابضهم على يد أكرم خلق الله محمد التقي النقي ( ص )،الطاهر العلم الذي فاض برحمته على المؤمنين من الخلق ،فشملهم برعايته صباحاً ومساء، وانصهر بهم نسباً وصهراً، وأبوةً لليتامى والمستضعفين من النساء والرجال والولدان ،ومعلماً وقائداً وناصراً وحصناً ومحامياً للحق وللقيم والإنسان والأرض ،ومصلحاً صائناً للعرض إياً كان ذاك العرض، وماحقاً للعنصرية والعصبية القبلية ومناهضاً للتمييز العرقي والقبلي ،ومحارباً طويل الأنفاس لمفاسد الأخلاق ومنفرات الطبائع، ومنصباً نفسه الطاهرة عنواناً وموقعاً لقمم القيم والمبادئ وتطبيقاً شمولياً لها،اذكروا
معاشر الناس قوله تعالى :” قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ “.( الأنعام -١٥١)،وتبصروا في قول الحق :” وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ۚ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ۖ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا”.( الإسراء- ٣٤)، وقال تعالى :” إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ ۚ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ ۖ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى”.( النجم -٢٣).
فإذا ذكرت التضحية كان محمد ( ص ) خَيَالها، وإذا ذكر الصبر كان محمد فارسها ،وإذا ذكر الحياء كان المصطفى(ص) معدنها وديدنها، وإن ذكر الله جلت قدرته لهج قلب محمد حباً لله تعالى ، وخفق شوقاً وانسابت الدموع حرى على وجهه الكريم وكلما ذكرت الطاعات كان محمد(ص ) المتعبد المطواع لربه المتهجد أناء الليل وأطراف النهار وكان أول القوم تقرباً لله زلفى بنماذج من الطاعات والعبادات يحال على مخلوق في هذا الكون مناظرته إياها! وكانت المعاملات بين الناس بالحسنى سبيله إلى رضوان الله تعالى، فقد قال الرسول الكريم :” الدين المعاملة “.كما قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ” أكثر ما تلج به أمّتي الجنّة تقوى الله وحسن الخلق يعمّران الديار ويزيدان في الأعمار”. ويقول رسول الله ( ص) : ” ألا ومن ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلّفه فوق طاقته ، أو أخذ منه شيئاً على غير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة”.ولقد قال الصادق :”إنّ الخلق الحسن ليميت الخطيئة كما تميت الشمس الجليد “، ويستحب التأمل في قول الصادق ( ع ) :”من أراد أن يعلم أقبلت صلاته أم لم تقبل ، فلينظر هل منعته عن الفحشاء والمنكر ، فبقدر ما تمنعه تقبل منه”.
وكلما ذكر الله جعل من قيادته للأمة سائقاً ينصر المستضعفين والمستضعفات ويمنيهم بتموضعهم في عين الله ورحمته ، يقول المولى سبحانه :”فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ “.( آل عمران -١٥٩)، كما قال الحق :”وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ “.( النور -٢٠).
محمد رسول الله وحبيبه واسى الناس بصبره على الضيم، ومشاركتهم السراء والضراء، فجاع كأمثالهم من فقراء المسلمين بل ذاق مرارة الجوع على نحو أشد قسوة من عامة فقراء المسلمين .يقول تعالى : وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ”.(البقرة -١٥٥)، وتقاسم معهم المحن بدقائقها وتفاصيلها لحظة بأخرى دون أن ينأى بجانبه عنهم .
وما فتئ محمد المحارب والمناضل يجاهد الكفر والكفار والمشركين بسواعده وأهل بيته قبل أن يفرض على الآخرين منازلة أعداء الله والرسول والمؤمنين،ففي بدر افتتح بنو هاشم القتال مع أمثالهم من قريش، وفي أحد ثبت الرسول الكريم وفارسه الذي ليس كمثله فارس كرار غير فرار علي بن أبي طالب ( ع ) وثلة من المؤمنين في مواجهة الهجمة الشرسة على النبي ( ص ) وفرار المسلمين من أرض القتال ، والأحزاب تشهد لعلي بعظيم إيمانه وبطولاته فلا “فتى إلا علي ولا سيف إلا ذي الفقار “، ذاك الفتى الذي جاد بنفسه رخيصة في سبيل سلامة محمد ( ص ) يوم مبيته في فراش سيد الخلق ليلة الهجرة “فبخ يخ لك يا علي” فالله تعالى في علاه يباهي بك وبإيثارك النبي على نفسك الملائكة ! فمن للمواقف الحازمة والتضحيات الجسام والإبتلاءات العظام إلا محمد وآل محمد ( ص ) قدوة ونبراساً للسائرين على هدى النبي القدوة والرحمة والإنسان.
وللحديث بقية